عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال "إنّ الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل اللّيل قبل عمل النّهار. وعمل النّهار قبل عمل اللّيل. حجابه النّور (وفي رواية النّار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
رواه مسلم وابن ماجه.
وعن أنس بن مالك قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل "فاستأذن على الله في داره فيؤذن لي عليه" .. الحديث.
رواه البخاري.
والدار، هو ما أحاط بالشيء وأحدق به، سمّي بذلك لأنه يدور عليه، وهو يشتمل على معان عديدة، والمراد به هنا ما دار حول المنزل.
فأثبت في الحديث أن لله تبارك وتعالى دارا تليق بجلاله وعظمته، وأن من أراد الدخول إليه في داره، وجب عليه أن يستأذن حتى يأذن الله له، والدار مثل الحجب، مما أذن الله له من مخلوقاته أن تحده وتحجبه.
وقد زعم البعض أن كلمة "الدار" شاذة، لم ترد إلا في رواية واحدة، وباقي الروايات لم يرد فيها ذكر الدار، يريد بذلك إنكار وجود الدار.
والجواب على ذلك أن كلمة "الدار" وإن لم ترد سوى في رواية واحدة، إلا أن جميع الروايات تتفق على هذا المعنى وتصححه وتؤكده، فقد ورد في جميع الروايات باتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأن على ربي" هذا ما قاله رسول الله نصا في جميع الروايات التي رويت عنه، فما الذي يحول بينه وبين الله، حتى أنه لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد أن يستأذن له عليه، إذا هناك حائل بينه وبينه ربه، وهي الدار.
فكل هذه المعطيات، تدل على صحّة لفظة "الدار" وإن لم يصرّح بها إلا في رواية واحدة، ولهذا أوردها أمير المؤمنين في الحديث البخاري واحتج بها.
فهذه أحاديث عظيمة جليلة، تدل على أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى، ويحجبها عن خلقه، بأمره سبحانه، كما تتضمّن إثبات أن لذات الله تعالى حدّاً وغايةً.
والله أعلم وأحكم.