والحركة صفة فعلية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَقُضِیَ ٱلْأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ﴾ [البقرة]
قوله ﴿یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ﴾ أي يوم القيامة، عندما ينزل الله تعالى إلى الأرض لفصل القضاء، ينزل في ظلل من الغمام.
وقال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأْتِیَهُمُ ٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام]
قوله ﴿أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ﴾ في هذا دليل على أن إتيان الله تعالى يوم القيامة، غير إتيان الملائكة، وغير إتيان آياته، وهذا يدل على أن إتيان الله يوم القيامة ليس إتيان أمره أو قدرته وحسب، لأن إتيان أمره وقدرته يوم القيامة، إنما يكون بإتيان ملائكته وآياته، فتبين بذلك، أن إتيان الله هنا إتيان بذاته سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: ﴿وَجَاۤءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّا صَفّا﴾ [الفجر]
وهذا يوم القيامة، حيث يأتي الله يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، تحف به ملائكته المسبحة بقدسه، وملائكة السماوات صفوف بعضها خلف بعض، محيطة بأهل الأرض.
وفي بعض روايات حديث الشفاعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرج إلى السماء ليشفع للناس عند ربهم ليريحهم من هول الموقف، ويأتي لفصل القضاء بينهم، فيقول الله تعالى "حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص"، قال: أبو هريرة يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: "قدّام العرش، فأخر ساجداً، فلا أزال ساجداً حتى يبعث الله إليّ ملكاً، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، ثم يقول الله لي: محمّد، وهو أعلم، فأقول: نعم، فيقول: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، شفّعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول: قد شفّعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم".
رواه الطبري.
وفيه قال: النبي صلى الله عليه وسلم "فأنصرف حتى أقف مع النّاس، فبينا نحن وقوف، سمعنا حسّا من السّماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السّماء الدّنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض، بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثمّ ينزل أهل السّماء الثّانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت. ثمّ نزل أهل السّموات على قدر ذلك من الضّعف حتى نزل الجبّار في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم".
رواه الطبري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" اهـ
رواه البخاري.
وفي هذا الحديث، دليل على أن الله تعالى ينزل بذاته المقدّسة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل.
فهذا كله فيه دليل قاطع على أن الله تعالى يتحرك، وينتقل من مكان إلى مكان، فيجيء ويأتي وينزل ويصعد.
وهنا مسألة هل الله يتحرك بذاته كلها أو بعضها؟
والجواب: الله أعلم، ولكن الذي يظهر لي من خلال الآيات والروايات، أن حركة الله جزئية، بحيث هو في مكانه، وجزء منه في مكان أخر، فهو دائم لا يزول، ولا يغيب عن عباده، أين كانوا، وهذا جليّ من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿قَاَلَ لَاۤ أُحِبُّ ٱلْـَٔافِلِینَ﴾ [الأنعام] قال قتادة: عَلِم أن ربّه دائمٌ لا يزول. اهـ
رواه الطبري.
والله أعلم وأحكم.