صورة الإنسان على صورة الله تبارك وتعالى

والتجلي في صورة صفة ذاتية فعلية لله تعالى. 
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا".
رواه البخاري.
فقوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى، أي على صورة الله تعالى.
وأما الهاء في قوله "طوله" فعائدة إلى آدم.
وقال بعض المتفقِّهة: أن قوله "على صورته" كقوله "طوله" الهاء فيهما جميعا عائد إلى آدم عليه السلام!
والسؤال هنا أي صورة كانت لآدم حتى يخلقه الله عليها؟! هل كان لآدم عليه السلام، صورة قبل أن يخلقه الله تعالى! والجواب أنه لم يكن له صورة قبل أن يُخلق حتى يُخلق عليها، إذا فقولهم هذا غير صحيح، فقد تبيّن أن الهاء في قوله: "على صورته" عائد على صورة الله تعالى.
فإن قيل: إنما المراد على صورته التي خلقه عليها حين خلقه!
فالجواب ما الحاجة إلى التنبيه على ذلك، إن كان الناس جميعا يعلمون أن الله خلقه على صورته التي خلقه عليها! أكان الناس يظنون أن الله لم يخلقه على صورته التي خلقه عليها! 
وإنما مراد النبي من ذلك أن ينبه على أن الله خلق آدم على صورته سبحانه، ثم أراد أن يبين أن طول آدم عندما خلقه الله تعالى كان ستون ذراعاً.
ولو عرضت هذا الحديث على أعرابي في البادية، أو صبي في الكتاب، لم يزد على ما قلناه لك، وإنما نزل القرآن والسنة بلغة العرب.
فتبين بذلك، أن الله تعالى خلق آدم على صورته سبحانه وتعالى، وأن صورة آدم وإن شابهت صورة الله تعالى في مظهرها، إلا أنها لا تماثلها، وتختلف عنها في كنهها، وفي كمالها وعظمتها وجمالها وجلالها وبهائها وسنائها، فلا يماثل الله تبارك وتعالى شيء من خلقه في ذلك.
ويشهد لذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال.
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم "ما بعث نبي إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر".
رواه البخاري ومسلم.
وعن عبادة بن الصامت أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم ربكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا".
رواه أحمد وأبو داود بسند جيّد.
فتبين من خلال هذه الأحاديث، أن هناك شبهاً بين صورة الدجال، وهو بشر، من بني آدم عليه السلام، وبين صورة الله تعالى، في المظهر، فالله له عينان، بينما الدجّال له عينان أيضاً، ولذلك جعل النبي العلامة الفارقة البيّنة بين الله تعالى والدجّال، هو كون الدجال أعور، والله تعالى ليس بأعور، فلو كان الدجال هو الله، لما كان ناقصاً في صورته.
بل قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة "فإن ألبس عليكم" والالتباس عادة لا يقع إلا فيما اشتبه على الناس أمره.
فلو كان الله بلا صورة، أو أن صورة بني آدم لا تشبه صورة الله تعالى الظاهرية، لما نبه على أن الله ليس بأعور، وأنه لا يمكن رؤية الله إلا بعد الموت، بل لقال بأن صورة الله لا تشبه صورة بني آدم أساساً، أو لقال بأن الله تعالى بلا صورة.
فأحاديث الدجال، تتضمن الدليل على أن لله تبارك وتعالى صورة، ولصورته حدّ وغاية يدركها هو من نفسه، وأن صور بني آدم تشبه صورته، وأن الله يرى بالأعين، وهو في جهة وحيّز.
وأن الاختلاف إنما يقع في المماثلة، لقوله تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلْبَصِیرُ﴾ [الشورى]
فالله تعالى لم يقل (ليس كشبهه شيء) لو قال: ذلك، لانتفى أن يكون مشابهاً لخلقه في أي شيء، لكنه لم ينفي الشبه، بل أثبته في كتابه في مواضع، ولكنه نفى المماثلة، وبين الشبه والمثل فرق في اللغة.
ومما يشهد لذلك أيضاً، ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يَقُلْ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
وقد روي هذا الحديث بمتون مبتورة، وهذا عادة يقع من أوهام الرواة.
ففي رواية أنه قال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِأَحَدٍ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهًا أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
فلم يذكر هنا النهي عن ضرب الوجه.
وفي رواية أخرى أنه قال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَليَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
ولم يذكر هنا النهي عن التقبيح.
وكذلك روي هذا الخبر بزيادات أخرى.
فقد روي عن عطاء ورفعه إلى النبي أنه قال: " فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ"
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن ابن الأعرج مرفوعا، أنه قال: " فَإِنَّ صُورَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ تعالى".
رواه الدارقطني في كتاب الصفات.
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن أبي يونس مرفوعا أنه قال: "فَإِنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ".
رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة.
وهذه الزيادات، أظنها من الرواة، كمحاولة منهم لبيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "على صورته".
فبإجماع أئمة أهل السنة المتقدمين أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى صورة الله تعالى، لم يخالفهم في ذلك إلّا من لا يؤبه به.
وكان أول من أنكر أن تكون الهاء عائدة على صورة الله تعالى من أهل الحديث، هو محمد بن خزيمة.
فزعم أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى المضروب، أي أن الله تعالى خلق آدم على صورة هذا المضروب.
وهذا باطل، وإلّا لماذا خصّص آدم في الحديث بكونه سببا في النهي عن الضرب والتقبيح من دون سائر الأنبياء، وفيهم الخمسة أولي العزم، وفيهم محمد بن عبدالله سيد الأنبياء والأولين والأخرين؟! 
أكان ابن خزيمة يعتقد أنه لو لم يكن هناك آدم، لجاز أن يضرب الوجه أو يقال قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك! دام أن العلة عنده، هي مشابهة وجه المضروب بوجه النبي آدم!
فماذا عن نبينا محمد دام أن العلة في النهي عن الضرب والتقبيح هي مشابهة وجه المضروب والمقبّح لوجه نبي! 
فدل هذا على أن النهي عن ضرب الوجه وعن تقبيحه، يؤدي إلى ما هو أعظم من أن تشمل في ضربك أو شتمك وجه نبي، وإلا لقال النبي "فإن الله خلق الأنبياء على صورته" أو "على صورة المضروب".
والأحاديث التي في أسانيدها ضعف، قد تكون أحياناً وسيلة وحجة في معرفة معنى غامض في حديث صحيح، فهذا أولى من الأخذ بآراء الرجال، كما قال: أحمد وسفيان أن الحديث الضعيف ضعفا يسيرا خير من أراء الرجال.
فالهاء في قوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى.
وقال: أبو بكر المقرئ في مجالس أبي العباس أحمد بن يحيى الشهير بثعلب: في الخبر لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله تعالى خلق آدم على صورته. قال: أبو العباس الهاء راجعة على صورة الله التي اختارها والكون الذي جعله فيه. انتهى كلام المقرئ.
قلت: والصواب في هذا هو أول حديث رويناه، وهو أن النهي عن ضرب الوجه، حكم مستقلّ لا علاقة له بكون صورة الإنسان تشبه صورة الرحمن، وأن النهي عن تقبيح الوجه، هو المراد، لأن الشخص إذا قال: لشخص، قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، شمل التقبيح وجه الله تعالى وتقدس، لأن صورة وجوه بني آدم تشبه صورة وجه الله تعالى، ولكنها لا تماثلها.
بل الأحاديث تدل على أن صورة الإنسان – وليس صورة الوجه وحسب تشبه صورة الله، ولكنها لا تماثلها، أي لا تشبهها في كل شيء، وإنما تشبهها في المظهر العام، وأما التفاصيل فلا شك أنه لا شيء يماثل الله تعالى في كنه صورته وفي كمالها وعظمتها وجلالها وجمالها وبهائها وسنائها. فهو المتفرد بذلك سبحانه.
فإن قال قائل: لكن لماذا اختص ذكر الوجه في الأحاديث دون سائر أعضاء الإنسان؟ 
فالجواب أن العرب تقول "قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك" ولكن لم يكن من سننها أن تقول "قبح الله يدك ويد من أشبهت يدك" أو قدمك أو عينك أو غير ذلك. فجاء النهي، في الباب الذي اعتادت العرب المشاتمة فيه.
فكل هذه الأدلة تدل على أن صورة الإنسان على صورة الله تعالى، بل إن مما يثبت ذلك ويؤكده، حديث تكفؤ الله تعالى للأرض يوم القيامة، حيث شبه وكيّف النبي صلى الله عليه وسلم تكفأ الله تعالى للأرض، بتكفؤ أحدنا لخبزته، وهذا لا يكون إلا إذا كانت صورة الإنسان على صورة الله تعالى. 
ولعل سائلا يقول أوليس هذا تشبيه؟ وماذا عمّا نقل عن أئمة السنة في ذم المشبهة!
والجواب هذا ليس تشبيهاً بالمعنى الذي نهى عنه أئمة السنة، فأئمة السنة هم أول من أثبت التشابه بين صفات الله وصفات بني آدم بإثباتهم صفات الله تعالى.
وإنما مراد أئمة السنة في النهي عن التشبيه وذم المشبهة، أي أن تشبه صفات الله بصفات بني آدم، بما فيها من كمال أو نقص، كما فعل اليهود والنصارى من قبل.
وكذلك النهي عن تشبيه الله، بحيث تعطى كنهاً معيناً، كمن يزعم أن ذات الله من نور، وإنما النور منبعث من ذاته، وأما ذاته فلا يعرف حقيقتها إلا هو سبحانه.
وقال بعضهم، إنما أراد في الأحاديث إثبات أن لله تعالى صورة، كما أن لبني آدم صورة، ولا يعني هذا أن صورة بني آدم على صورة الله تعالى، والدليل على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة".
والجواب على ذلك: أن الحديث ليس حجة في ذلك، فمعنى الحديث في واد، واحتجاجكم في وادٍ أخر، فالعرب تقول صورة فلان على صورة القمر، أو يقولون وجهه كقطعة قمر، أو يقولون وجهه كالقمر بدراً، لا يريدون بذلك التدليل على أن لفلان صورة كما أن للقمر صورة! وإنما مرادهم أنه يشبه القمر في وضاءته وحسنه فقط! فهل يعقل أن نقول بأن معنى حديث "فإن الله خلق آدم على صورته". أو قوله "فإن الله خلق آدم على صورته". هو أن آدم وبنيه يشبهون صورة الله في وضاءتها وحسنها؟! هذا باطل من القول وزورا، وقائل ذلك، قد مثّل صورة آدم وبنيه بصورة الله تعالى، وهذا هو معنى أن تجعل لله نداً، فوقعتم في المحظور، من حيث لا تشعرون أو تشعرون، فلو أنكم سلّمتم بالحق الذي جاءت به الأحاديث، وأقررتم بوقوع الشبه بين صفات الله تعالى وصفات بني آدم، ونفيتم ما نفاه الله تعالى من وقوع المماثلة بين صفاته وصفات خلقه، ما جركم هذا إلى مثل هذه الحجج الخاطئة، والمبتدع الزائغ عن الحق، لا يفر من الحق إلا ووقع في شرّ مما زعم أنه يريد الفرار منه، شعر بذلك أو لم يشعر.
والسؤال هنا هل الله تعالى صوّر جميع ذاته، أم بعضها؟
والجواب: لا أعلم، ولا أحد يعلم، فقد يكون الله تعالى صوّر جميع ذاته، وكوّنها في كون واحد. وقد يكون الله تبارك وتعالى صوّر بعضاً من هذه الذات، وبقي الجزء الأعظم لم يصوّر، فما بقي لم يصوّر، ليس له صورة، ويكون هذا الجزء المصوّر، هو الذي استقر على العرش، وهو الذي يراه الناس يوم القيامة، ويراه أهل الجنّة في الجنّة، وأما باقيه فلا يدركه أحدٌ من خلقه، ولا شك أن لجميع ذاته حدودٌ تنتهي إليها، إلّا أن الله تعالى، هو أعلم بحدّ ذاته وأبعادها.
إن أصبت فمن توفيق الله وهدايته، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه.
ونسأل الله العظيم، بمنّه وكرمه ألّا يحرمنا النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم وأحكم.