حديث الشاب الأمر

عن قتادة بن دعامة عن عكرمة عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أن محمدًا رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه، أو قال: رجليه في خضرة". 
وفي رواية "رأيت ربي جعدًا أمرد عليه حلة خضراء".
وفي رواية "رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء".
وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: "حلّة حمراء" بدل "خضراء" وهذا وهم من الراوي.
وقد روي حديث ابن عباس أيضاً بزيادة باطلة، فقد روى ابن بطّة في الإبانة، أن عبد الله بن عمر: أنه بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه تبارك وتعالى؟ فبعث إليه: أن نعم قد رآه، فرد عليه رسوله فقال: كيف رآه؟ قال: فقال رآه على كرسي من ذهب، تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب". اهـ
فقوله: "تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر" زيادة موضوعة ليست من اصل الحديث، وهي زيادة باطلة.
وروي عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبيِّ بن كعب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَأَيْتُ رَبِّي فِي المنام في صورة شاب مُوَقّرٍ فِي خَضِرٍ، عليه نَعْلانِ من ذهب، وَعَلَى وجهه فراش مِنْ ذهب". 
وفي رواية "يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب". 
وفي رواية "أنه رأى ربه تعالى في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في الخضرة، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب".
قال أبو يعلى الفراء رحمه الله: "اعلم أن الكلام في هذه الأخبار في فصلين: أحدهما: في طرقها، والثاني: في ألفاظها أما طرقها: فإن كلام أحمد في ذلك مختلف. فروى المروذي قال حدثني عبد الصمد بن يحيى الدهقان قال سمعت شاذان يقول: أرسلت إلى أبي عبد الله أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس "رأيت ربي" فقال: حدث به فقد حدث به العلماء، فقلت: إنهم يقولون ما رواه غير شاذان قال: بلى قد كتبته عن عفان عن رجل عن حماد بن سلمة. وهذا من أحمد تصحيح لحديث ابن عباس وتثبيت له. وذكر أبو بكر الأثرم في كتاب العلل: سألت أحمد عن حديث عبد الرحمن بن عايش الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي في أحسن صورة" فقال يضطرب في إسناده، لأن معمرا روى عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يوسف بن عطية عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه عبد الرحمن بن زيد عن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يزيد بن يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يحيى بن أبي كثير فقال عن ابن عباس عن مالك بن يخامر عن معاذ ابن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأصل الحديث واحد، وقد اضطربوا فيه. وظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء". اهـ ورأيت في مسائل مهنا بن يحيى الشامي قال: سألته يعني أحمد عن حديث رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب" فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر، وقال: لا نعرف هذا رجل مجهول يعني مروان بن عثمان. فظاهر هذا التضعيف من أحمد لحديث أم الطفيل. ورأيته بخط أبي بكر الكشي قال عبد العزيز سمعت الخلال يقول: إنما نروي هذا الحديث وإن كان في إسناده شيء، تصحيحا لغيره ولأن الجهمية تنكره. ورأيت بخط ابن حبيب جوابات مسائل لأبي بكر عبد العزيز قال: حديث أم الطفيل فيه وهاء، ونحن قائلون به، وظاهر رواية إبراهيم ابن هانئ تدل على صحته، لأن أحمد قال لأحمد بن عيسى في منزل عمه: حدثهم به، ولا يجوز أن يأمره أن يحدثهم بحديث يعتقد ضعفه، لا سيما فيما يتعلق بالصفات. وقد صححه أبو زرعة الدمشقي فيما سمعناه من أبي محمد الخلال وأبي طالب بن العشاري وأبي بكر بن بشران عن علي بن عمر الحافظ فيما خرجه في آخر "كتاب الرؤية" قال نا محمد بن إسماعيل الفارسي قال نا أبو زرعة الدمشقي قال: نا أحمد بن صالح قال نا ابن وهب أخبره أن مروان بن عثمان أخبره عن عمارة بن عامر عن أم الفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة قدماه في أخضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب". قال أبو زرعة: كل هؤلاء لهم أنساب قوية بالمدينة، فأما مروان بن عثمان فهو مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وأما عمارة فهو ابن عامر ابن عمرو بن حزم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن الحرث وسعيد بن أبي هلال فلا يشك فيهما، وحسبك بعبد الله بن وهب محدثا في دينه وفضله. وظاهر الكلام من أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل، وتعريفا لهم وبيانا عن عدالتهم، وهو ظاهر ما عليه أصحابنا، لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في "سننه" ولم يتعرض للطعن عليه. وأخرج إلى أبو إسحق البرمكي جزءا فيه حكايات عن أبي الحسن ابن بشار رواية أبيه أبي حفص عن أبيه أحمد بن إبراهيم قال: سألت الشيخ يعني أبا الحسن بن بشار عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤيا، فقال: صحيح، فعارض رجل، فقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت، فقال له الشيخ: فيدرس الإسلام، فسكت. فقد حكم بصحة الحديث، وقد يجوز أنه لم يقع لأحمد معرفة مروان بن عثمان في حال ما سأله مهنا، ثم وقع له معرفة نسبه فيما بعد. وكتب إلي أبو القسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني بجزء فيه حديث ابن عباس في الرؤية من طرق، وكلام أصحاب الحديث عليه .. قال: وأبلغت أن الطبراني قال: حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية صحيح، وقال: من زعم أني رجعت عن هذا الحديث بعد ما حدثت به فقد كذب، وهذا حديث رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من التابعين عن ابن عباس، وجماعة من تابعي التابعين عن عكرمة، وجماعة من الثقات عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أسماءهم بطولها. وأنا محمد بن عبيد الله الأنصاري قال سمعت أبا الحسن عبيد الله بن محمد بن معدان يقول سمعت سليمان بن أحمد يقول سمعت ابن صدقة الحافظ يقول: من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق. وأنا محمد بن سليمان قال سمعت بندار بن أبي إسحق يقول سمعت علي بن محمد بن إبان يقول سمعت البرذعي يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: من أنكر حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي عز وجل" فهو معتزلي. وسمعت علي بن أحمد بن مهران المديني قال حضرت أبا عبد الله ابن مهدي وحضر عند جماعة فتذاكروا حديث عكرمة، وأنكره بعضهم، وكنت قد حفظته فحدثت به بطوله، فقام إلي أبو عبد الله وقبل رأسي ودعا لي. ونا محمد بن محمد بن الحسن قال نا أحمد بن محمد الملحمي قال سمعت محمد بن علي بن جعفر البغدادي قال سمعت أحمد بن محمد بن هاني الأثرم يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي" الحديث. فقال أحمد بن حنبل هذا حديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن شك في ذلك، أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه. وأنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسحاق قال نا محمد بن يعقوب قال نا أحمد بن محمد قال نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبي يصحح هذه الأحاديث ويذهب إليها، وجمعها وحدثناها. وروى بإسناده عن عبد الوهاب الوراق قال: سمعت أسود بن سالم يقول في هذه الأحاديث التي جاءت في الرؤية قال: نحلف عليها بالطلاق والعتاق أنها حق. فهذا الكلام في طريقها". اهـ
قلت: وقول أبي زرعة في مروان بن عثمان، يدل على أن العلّة التي أعلّ بها الإمام أحمد حديث أم الطفيل، قد انتفت، فالحديث صحيح.
فتبيّن بذلك أن حديث الرؤية، صحّحه أئمة السنة، وقبلوه، وحدّثوا به، وأمروا بالتحديث به، ولم يرده أو يستنكره أو يكذّب به، إلا من لا يعتدّ بقوله من أهل الأهواء، من أمثال ابن الجوزي والذهبي والسبكي.
وقد أكّد أئمة السنة على أن هذه رؤيا منام وليست على الواقع، لأن الله تعالى لا يمكن أن يراه أحد في هذه الحياة الدنيا يقظة، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأما في المنام، فقد وردت السنة بأن الله تعالى يرى في المنام. 
وإذا كانت الشياطين لا تستطيع التمثّل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأحرى أنها لا تستطيع أن تأتي النائم في نومه وتدعي أنها الله عز وجل.
وهل ما يراه النائم هو الله بذاته المقدّسة أم أنه مجرّد خيال ومثال؟
والجواب: لا يعقل أن يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول، بأن ما رآه في منامه هو الله، ثم يريد بذلك الخيال أو المثال، فالأدلة من السنّة، تدل على أن من رأى الله تعالى في المنام، فقد رأى الله تعالى بذاته المقدّسة، وهذا يدل، على أن الله تعالى قد أعطى عباده القدرة على رؤيته بأعين قلوبهم، دون أعين ابصارهم، فإن أعين أبصارهم لا تطيق ذلك، ولذلك قال ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه مرتين، رواه مسلم.
والله أعلم وأحكم.