صفة الكلام لله تعالى

والكلام بصوت يسمع وحرف ينطق، صفة ذاتيّة فعليّة لله تعالى.
قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِیما﴾ [النساء]
قال وائل بن داود التيمي أبو بكر الكوفي، في تأويل هذه الآية: "مشافهة مراراً".
رواه ابن أبي حاتم.
قلت: ومراده أن الله تعالى كلّم موسى بنفسه مشافهة، بدون واسطة.
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ﴾ [الأعراف]
وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
رواه البخاري ومسلم.
فدلّ هذا الحديث على أن الله يكلّم عباده بصوت يسمع وحرف ينطق، بدلالة قوله أنه ليس بينه وبينهم ترجمان، فلن يخلق الله تعالى صوتاً يكون ترجماناً بينه وبين خلقه، ولن يُكلِّف ملكاً بذلك، بل هو سبحانه من يخاطب عباده بنفسه وبصوته وحرفه، وفيه إثبات أن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع وحرف ينطق، وأن كلامه كلمات متعاقبة، وجمل تفهم.
وهو سبحانه يتكلّم متى شاء، ويسكت متى شاء، سكوتاً لم يقع عن عجزٍ وانقطاع، تعالى ربنا وتقدس، بل سكوتاً عن قدرة واستطاعة.
وقدرة الله تعالى على الكلام بصوت، والتعبير عمّا في نفسه، من كمال قدرته وغناه، فليس هو سبحانه في حاجة لمخلوق يتكلّم بالنيابة عنه، ليعبّر لخلق الله عمّا يريد الله تعالى أن يقوله لهم.
وعن عبدالله بن أنيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُحشَرُ العبادُ عُراةً غُبْرًا بُهمًا قلنا: ما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ ثمَّ يُناديهم ربُّهم تعالى بصوتٍ يسمعُه من بَعُد كما يسمعُه من قَرُب" .. الحديث.
رواه أحمد والبخاري.
وهذا من كمال صفة الكلام فيه سبحانه، أنه إذا تكلم لأحد، لم يخفى عليه شيء من كلام الله تعالى.
وأنه قادر سبحانه وتعالى أن يكلم كل شعب بلغتهم، ويكلم كل دابة بكلامها، وكيف لا يستطيع ذلك، وهو من علم مخلوقاته لغاتها التي تتخاطب بها.
وإذا خرج صوته من ذاته، فلا يدرا ماذا يصير إليه، وهل يرجع إلى ذاته كما صدر منها، أو يفعل الله به ما يشاء.
وأنه لا يدرا ما كنه صوته، إلا أنه صوت يسمع، وكلمات تفهم، وهو في كنهه لا يماثل أصوات خلقه، والفارق بين صوت الله، وبين أصوات خلقه، كالفارق بين ذات الله تعالى وذوات خلقه، فصوت الله ليس بمخلوق، كأصوات المخلوقات.
والله أعلم وأحكم.