صفة العِلم لله تعالى

العِلم صفة ذاتيّة لله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿وَٱعْلَمُوۤا أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیم﴾ [البقرة]
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: "العالم الذي قد كمَل في علمه".
رواه الطبري.
وقوله "بكل شيء" على ظاهرها، أي لا يعزب عن علمه شيء.
وعلى هذا فالله تبارك وتعالى يعلم ما كان في الماضي.
قال تعالى: ﴿قال: فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلْأُولَىٰ قال: عِلْمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰب لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى﴾ [طه]
ويعلم ما يقع في الحاضر.
قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلْـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُوَهُوَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِیَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلْأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعْرُجُ فِیهَاوَهُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ مَا كُنتُمْۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیر﴾ [الحديد]
قوله ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ مَا كُنتُمْ﴾ أي معكم بعلمه.
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلْأَرْضِمَا یَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَاۤ أَدْنَىٰ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا یَوْمَ ٱلْقِیَـٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ﴾ [المجادلة]
ويعلم ما سوف يقع في المستقبل.
قال تعالى: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّة فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْب وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِین﴾ [الأنعام]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ ٱلْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی ٱلْأَرْحَامِوَمَا تَدْرِی نَفْس مَّاذَا تَكْسِبُ غَدا وَمَا تَدْرِی نَفْسُ بِأَیِّ أَرْض تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرُ﴾ [لقمان]
وقال تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا أَوْ خَلْقا مِّمَّا یَكْبُرُ فِی صُدُورِكُمْ فَسَیَقُولُونَ مَن یُعِیدُنَاقُلِ ٱلَّذِی فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْكَ رُءُوسَهُمْ وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَقُلْ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَرِیبا﴾ [الإسراء]
فأخبر سبحانه وتعالى بما سوف يقع منهم قبل أن يقع، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
ويعلم ما لن يكون إذا كان كيف يكون.
قال تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا یُخْفُونَ مِن قَبْلُوَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ﴾ [الأنعام]
فأخبر سبحانه وتعالى، أن أهل النار لو ردوا إلى الدنيا، لعادوا إلى ما نهو عنه من الكفر، مع أن هذا لن يكون.
بل ويعلم ما تخفيه الصدور، وما يجول في الأفكار والعقول.
قال تعالى: ﴿یَعْلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلْأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی ٱلصُّدُورُ﴾ [غافر]
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِیدِ﴾ [ق]
وقوله ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِیدِ﴾ [ق]
أي الله تعالى أقرب لعبده بعلمه، من حبل الوريد.
والأوردة، هي عروق الجسم الكبار.
وتحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیْء قَدِیر﴾ [البقرة]
فمهما حاولت أن تتوهّم مبلغ قدرة الله تعالى في علمه، فلن تدرك إلا الشيء اليسير، سبحان ربنا وتعالى وتقدس.
والعلم علمان، علم تقدير، وعلم فِعَال، فما علمه الله تعالى في سابق علمه، فهو علم تقدير، أي: علم الله أنه سوف يقع، وأما علم الفعال، فيعلمه الله عند الفعل، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا لَیَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیْء مِّنَ ٱلصَّیْدِ تَنَالُهُۥ أَیْدِیكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِیَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلْغَیْبِ﴾ [المائدة]
وقوله تعالى: ﴿ٱلْـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمْ ضَعْفا فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّائَة صَابِرَة یَغْلِبُوا۟ مِائَتَیْنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمْ أَلْف یَغْلِبُوۤا۟ أَلْفَیْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [الأنفال]
وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا یَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ یَتَّخِذُوا۟مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَة وَٱللَّهُ خَبِیرُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة]
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِوَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِیدَ فِیهِ بَأْس شَدِید وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَیْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیز﴾ [الحديد]
فهذا وما أشبهه من الآيات، فإنما يراد به عِلْم الفِعال، فعلم الله تعالى ما خلقه عاملون قبل أن يعملوه علم تقدير، ثم علمه عِلم فعال، عندما فعلوه.
وكمال علمه، هو من كمال قدرته سبحانه وتعالى.
والله أعلم وأحكم.