ثبوت صفة الصورة لله تعالى

اعلم أن ما ورد من الأحاديث والآثار، في أن صورة الإنسان على صورة الله تعالى، وأن الله يرى في المنام في صورة شاب أمرد، وأن الله تعالى يرى يوم القيامة، كلها أدلة تثبت أن لله تعالى صورة يرى من خلالها.

وهو سبحانه لكمال قوته وقدرته، يتجلى في الصورة التي يريدها ويختارها، فليس هو مقيّد في صورة واحدة لا ينفك منها، وأن العباد سوف يرون صورته يوم القيامة، كما يرون الشمس والقمر، بأعين رؤوسهم، وبينهم وبينه مسافة، وبمقابلة، وهو في جهة وحيِّز.

وأنه يتجلى يوم القيامة لعباده في ثلاث صور: صورة يراه فيها جميع الخلائق عند الحساب، وصورة يراه فيها المسلمون والمنافقون فقط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه" .. الحديث

فقوله: " فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون". دليل على أن الله تعالى، قد تجلى لعباده سابقاً في صورة عرفوه بها، فدلّ هذا الحديث، على أن الله تعالى، يتجلى لعباده في الموقف، في صورة يراه فيها جميع الخلائق، مسلمهم وكافرهم، إنسهم وجنّهم، ثم بعد الحساب، يختفي عنهم، ثم يتجلى في صورة أخرى غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة، للمسلمين والمنافقين. 

ثم يتجلى سبحانه في صورة، وهي أكمل صوره، للمؤمنون في الجنّة، إن شاء الله تعالى، كما وردت بذلك أحاديث الرؤية.

وبناء على ما سبق، من الآيات والأحاديث في إثبات صفات الله تعالى، فإن الله تعالى، قد جعل لصورته التي اختارها لذاته، وجه، وعينان، ويدان، وأصابع، وحقو، وقدمان.

والله أعلم وأحكم. 


حديث الشاب الأمر

عن قتادة بن دعامة عن عكرمة عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أن محمدًا رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه، أو قال: رجليه في خضرة". 
وفي رواية "رأيت ربي جعدًا أمرد عليه حلة خضراء".
وفي رواية "رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء".
وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: "حلّة حمراء" بدل "خضراء" وهذا وهم من الراوي.
وقد روي حديث ابن عباس أيضاً بزيادة باطلة، فقد روى ابن بطّة في الإبانة، أن عبد الله بن عمر: أنه بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه تبارك وتعالى؟ فبعث إليه: أن نعم قد رآه، فرد عليه رسوله فقال: كيف رآه؟ قال: فقال رآه على كرسي من ذهب، تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب". اهـ
فقوله: "تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر" زيادة موضوعة ليست من اصل الحديث، وهي زيادة باطلة.
وروي عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبيِّ بن كعب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَأَيْتُ رَبِّي فِي المنام في صورة شاب مُوَقّرٍ فِي خَضِرٍ، عليه نَعْلانِ من ذهب، وَعَلَى وجهه فراش مِنْ ذهب". 
وفي رواية "يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب". 
وفي رواية "أنه رأى ربه تعالى في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في الخضرة، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب".
قال أبو يعلى الفراء رحمه الله: "اعلم أن الكلام في هذه الأخبار في فصلين: أحدهما: في طرقها، والثاني: في ألفاظها أما طرقها: فإن كلام أحمد في ذلك مختلف. فروى المروذي قال حدثني عبد الصمد بن يحيى الدهقان قال سمعت شاذان يقول: أرسلت إلى أبي عبد الله أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس "رأيت ربي" فقال: حدث به فقد حدث به العلماء، فقلت: إنهم يقولون ما رواه غير شاذان قال: بلى قد كتبته عن عفان عن رجل عن حماد بن سلمة. وهذا من أحمد تصحيح لحديث ابن عباس وتثبيت له. وذكر أبو بكر الأثرم في كتاب العلل: سألت أحمد عن حديث عبد الرحمن بن عايش الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي في أحسن صورة" فقال يضطرب في إسناده، لأن معمرا روى عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يوسف بن عطية عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه عبد الرحمن بن زيد عن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يزيد بن يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يحيى بن أبي كثير فقال عن ابن عباس عن مالك بن يخامر عن معاذ ابن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأصل الحديث واحد، وقد اضطربوا فيه. وظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء". اهـ ورأيت في مسائل مهنا بن يحيى الشامي قال: سألته يعني أحمد عن حديث رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب" فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر، وقال: لا نعرف هذا رجل مجهول يعني مروان بن عثمان. فظاهر هذا التضعيف من أحمد لحديث أم الطفيل. ورأيته بخط أبي بكر الكشي قال عبد العزيز سمعت الخلال يقول: إنما نروي هذا الحديث وإن كان في إسناده شيء، تصحيحا لغيره ولأن الجهمية تنكره. ورأيت بخط ابن حبيب جوابات مسائل لأبي بكر عبد العزيز قال: حديث أم الطفيل فيه وهاء، ونحن قائلون به، وظاهر رواية إبراهيم ابن هانئ تدل على صحته، لأن أحمد قال لأحمد بن عيسى في منزل عمه: حدثهم به، ولا يجوز أن يأمره أن يحدثهم بحديث يعتقد ضعفه، لا سيما فيما يتعلق بالصفات. وقد صححه أبو زرعة الدمشقي فيما سمعناه من أبي محمد الخلال وأبي طالب بن العشاري وأبي بكر بن بشران عن علي بن عمر الحافظ فيما خرجه في آخر "كتاب الرؤية" قال نا محمد بن إسماعيل الفارسي قال نا أبو زرعة الدمشقي قال: نا أحمد بن صالح قال نا ابن وهب أخبره أن مروان بن عثمان أخبره عن عمارة بن عامر عن أم الفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة قدماه في أخضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب". قال أبو زرعة: كل هؤلاء لهم أنساب قوية بالمدينة، فأما مروان بن عثمان فهو مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وأما عمارة فهو ابن عامر ابن عمرو بن حزم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن الحرث وسعيد بن أبي هلال فلا يشك فيهما، وحسبك بعبد الله بن وهب محدثا في دينه وفضله. وظاهر الكلام من أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل، وتعريفا لهم وبيانا عن عدالتهم، وهو ظاهر ما عليه أصحابنا، لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في "سننه" ولم يتعرض للطعن عليه. وأخرج إلى أبو إسحق البرمكي جزءا فيه حكايات عن أبي الحسن ابن بشار رواية أبيه أبي حفص عن أبيه أحمد بن إبراهيم قال: سألت الشيخ يعني أبا الحسن بن بشار عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤيا، فقال: صحيح، فعارض رجل، فقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت، فقال له الشيخ: فيدرس الإسلام، فسكت. فقد حكم بصحة الحديث، وقد يجوز أنه لم يقع لأحمد معرفة مروان بن عثمان في حال ما سأله مهنا، ثم وقع له معرفة نسبه فيما بعد. وكتب إلي أبو القسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني بجزء فيه حديث ابن عباس في الرؤية من طرق، وكلام أصحاب الحديث عليه .. قال: وأبلغت أن الطبراني قال: حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية صحيح، وقال: من زعم أني رجعت عن هذا الحديث بعد ما حدثت به فقد كذب، وهذا حديث رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من التابعين عن ابن عباس، وجماعة من تابعي التابعين عن عكرمة، وجماعة من الثقات عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أسماءهم بطولها. وأنا محمد بن عبيد الله الأنصاري قال سمعت أبا الحسن عبيد الله بن محمد بن معدان يقول سمعت سليمان بن أحمد يقول سمعت ابن صدقة الحافظ يقول: من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق. وأنا محمد بن سليمان قال سمعت بندار بن أبي إسحق يقول سمعت علي بن محمد بن إبان يقول سمعت البرذعي يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: من أنكر حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي عز وجل" فهو معتزلي. وسمعت علي بن أحمد بن مهران المديني قال حضرت أبا عبد الله ابن مهدي وحضر عند جماعة فتذاكروا حديث عكرمة، وأنكره بعضهم، وكنت قد حفظته فحدثت به بطوله، فقام إلي أبو عبد الله وقبل رأسي ودعا لي. ونا محمد بن محمد بن الحسن قال نا أحمد بن محمد الملحمي قال سمعت محمد بن علي بن جعفر البغدادي قال سمعت أحمد بن محمد بن هاني الأثرم يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي" الحديث. فقال أحمد بن حنبل هذا حديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن شك في ذلك، أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه. وأنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسحاق قال نا محمد بن يعقوب قال نا أحمد بن محمد قال نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبي يصحح هذه الأحاديث ويذهب إليها، وجمعها وحدثناها. وروى بإسناده عن عبد الوهاب الوراق قال: سمعت أسود بن سالم يقول في هذه الأحاديث التي جاءت في الرؤية قال: نحلف عليها بالطلاق والعتاق أنها حق. فهذا الكلام في طريقها". اهـ
قلت: وقول أبي زرعة في مروان بن عثمان، يدل على أن العلّة التي أعلّ بها الإمام أحمد حديث أم الطفيل، قد انتفت، فالحديث صحيح.
فتبيّن بذلك أن حديث الرؤية، صحّحه أئمة السنة، وقبلوه، وحدّثوا به، وأمروا بالتحديث به، ولم يرده أو يستنكره أو يكذّب به، إلا من لا يعتدّ بقوله من أهل الأهواء، من أمثال ابن الجوزي والذهبي والسبكي.
وقد أكّد أئمة السنة على أن هذه رؤيا منام وليست على الواقع، لأن الله تعالى لا يمكن أن يراه أحد في هذه الحياة الدنيا يقظة، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأما في المنام، فقد وردت السنة بأن الله تعالى يرى في المنام. 
وإذا كانت الشياطين لا تستطيع التمثّل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأحرى أنها لا تستطيع أن تأتي النائم في نومه وتدعي أنها الله عز وجل.
وهل ما يراه النائم هو الله بذاته المقدّسة أم أنه مجرّد خيال ومثال؟
والجواب: لا يعقل أن يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول، بأن ما رآه في منامه هو الله، ثم يريد بذلك الخيال أو المثال، فالأدلة من السنّة، تدل على أن من رأى الله تعالى في المنام، فقد رأى الله تعالى بذاته المقدّسة، وهذا يدل، على أن الله تعالى قد أعطى عباده القدرة على رؤيته بأعين قلوبهم، دون أعين ابصارهم، فإن أعين أبصارهم لا تطيق ذلك، ولذلك قال ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه مرتين، رواه مسلم.
والله أعلم وأحكم.

صورة الإنسان على صورة الله تبارك وتعالى

والتجلي في صورة صفة ذاتية فعلية لله تعالى. 
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا".
رواه البخاري.
فقوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى، أي على صورة الله تعالى.
وأما الهاء في قوله "طوله" فعائدة إلى آدم.
وقال بعض المتفقِّهة: أن قوله "على صورته" كقوله "طوله" الهاء فيهما جميعا عائد إلى آدم عليه السلام!
والسؤال هنا أي صورة كانت لآدم حتى يخلقه الله عليها؟! هل كان لآدم عليه السلام، صورة قبل أن يخلقه الله تعالى! والجواب أنه لم يكن له صورة قبل أن يُخلق حتى يُخلق عليها، إذا فقولهم هذا غير صحيح، فقد تبيّن أن الهاء في قوله: "على صورته" عائد على صورة الله تعالى.
فإن قيل: إنما المراد على صورته التي خلقه عليها حين خلقه!
فالجواب ما الحاجة إلى التنبيه على ذلك، إن كان الناس جميعا يعلمون أن الله خلقه على صورته التي خلقه عليها! أكان الناس يظنون أن الله لم يخلقه على صورته التي خلقه عليها! 
وإنما مراد النبي من ذلك أن ينبه على أن الله خلق آدم على صورته سبحانه، ثم أراد أن يبين أن طول آدم عندما خلقه الله تعالى كان ستون ذراعاً.
ولو عرضت هذا الحديث على أعرابي في البادية، أو صبي في الكتاب، لم يزد على ما قلناه لك، وإنما نزل القرآن والسنة بلغة العرب.
فتبين بذلك، أن الله تعالى خلق آدم على صورته سبحانه وتعالى، وأن صورة آدم وإن شابهت صورة الله تعالى في مظهرها، إلا أنها لا تماثلها، وتختلف عنها في كنهها، وفي كمالها وعظمتها وجمالها وجلالها وبهائها وسنائها، فلا يماثل الله تبارك وتعالى شيء من خلقه في ذلك.
ويشهد لذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال.
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم "ما بعث نبي إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر".
رواه البخاري ومسلم.
وعن عبادة بن الصامت أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم ربكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا".
رواه أحمد وأبو داود بسند جيّد.
فتبين من خلال هذه الأحاديث، أن هناك شبهاً بين صورة الدجال، وهو بشر، من بني آدم عليه السلام، وبين صورة الله تعالى، في المظهر، فالله له عينان، بينما الدجّال له عينان أيضاً، ولذلك جعل النبي العلامة الفارقة البيّنة بين الله تعالى والدجّال، هو كون الدجال أعور، والله تعالى ليس بأعور، فلو كان الدجال هو الله، لما كان ناقصاً في صورته.
بل قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة "فإن ألبس عليكم" والالتباس عادة لا يقع إلا فيما اشتبه على الناس أمره.
فلو كان الله بلا صورة، أو أن صورة بني آدم لا تشبه صورة الله تعالى الظاهرية، لما نبه على أن الله ليس بأعور، وأنه لا يمكن رؤية الله إلا بعد الموت، بل لقال بأن صورة الله لا تشبه صورة بني آدم أساساً، أو لقال بأن الله تعالى بلا صورة.
فأحاديث الدجال، تتضمن الدليل على أن لله تبارك وتعالى صورة، ولصورته حدّ وغاية يدركها هو من نفسه، وأن صور بني آدم تشبه صورته، وأن الله يرى بالأعين، وهو في جهة وحيّز.
وأن الاختلاف إنما يقع في المماثلة، لقوله تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلْبَصِیرُ﴾ [الشورى]
فالله تعالى لم يقل (ليس كشبهه شيء) لو قال: ذلك، لانتفى أن يكون مشابهاً لخلقه في أي شيء، لكنه لم ينفي الشبه، بل أثبته في كتابه في مواضع، ولكنه نفى المماثلة، وبين الشبه والمثل فرق في اللغة.
ومما يشهد لذلك أيضاً، ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يَقُلْ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
وقد روي هذا الحديث بمتون مبتورة، وهذا عادة يقع من أوهام الرواة.
ففي رواية أنه قال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِأَحَدٍ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهًا أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
فلم يذكر هنا النهي عن ضرب الوجه.
وفي رواية أخرى أنه قال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَليَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
ولم يذكر هنا النهي عن التقبيح.
وكذلك روي هذا الخبر بزيادات أخرى.
فقد روي عن عطاء ورفعه إلى النبي أنه قال: " فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ"
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن ابن الأعرج مرفوعا، أنه قال: " فَإِنَّ صُورَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ تعالى".
رواه الدارقطني في كتاب الصفات.
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن أبي يونس مرفوعا أنه قال: "فَإِنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ".
رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة.
وهذه الزيادات، أظنها من الرواة، كمحاولة منهم لبيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "على صورته".
فبإجماع أئمة أهل السنة المتقدمين أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى صورة الله تعالى، لم يخالفهم في ذلك إلّا من لا يؤبه به.
وكان أول من أنكر أن تكون الهاء عائدة على صورة الله تعالى من أهل الحديث، هو محمد بن خزيمة.
فزعم أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى المضروب، أي أن الله تعالى خلق آدم على صورة هذا المضروب.
وهذا باطل، وإلّا لماذا خصّص آدم في الحديث بكونه سببا في النهي عن الضرب والتقبيح من دون سائر الأنبياء، وفيهم الخمسة أولي العزم، وفيهم محمد بن عبدالله سيد الأنبياء والأولين والأخرين؟! 
أكان ابن خزيمة يعتقد أنه لو لم يكن هناك آدم، لجاز أن يضرب الوجه أو يقال قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك! دام أن العلة عنده، هي مشابهة وجه المضروب بوجه النبي آدم!
فماذا عن نبينا محمد دام أن العلة في النهي عن الضرب والتقبيح هي مشابهة وجه المضروب والمقبّح لوجه نبي! 
فدل هذا على أن النهي عن ضرب الوجه وعن تقبيحه، يؤدي إلى ما هو أعظم من أن تشمل في ضربك أو شتمك وجه نبي، وإلا لقال النبي "فإن الله خلق الأنبياء على صورته" أو "على صورة المضروب".
والأحاديث التي في أسانيدها ضعف، قد تكون أحياناً وسيلة وحجة في معرفة معنى غامض في حديث صحيح، فهذا أولى من الأخذ بآراء الرجال، كما قال: أحمد وسفيان أن الحديث الضعيف ضعفا يسيرا خير من أراء الرجال.
فالهاء في قوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى.
وقال: أبو بكر المقرئ في مجالس أبي العباس أحمد بن يحيى الشهير بثعلب: في الخبر لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله تعالى خلق آدم على صورته. قال: أبو العباس الهاء راجعة على صورة الله التي اختارها والكون الذي جعله فيه. انتهى كلام المقرئ.
قلت: والصواب في هذا هو أول حديث رويناه، وهو أن النهي عن ضرب الوجه، حكم مستقلّ لا علاقة له بكون صورة الإنسان تشبه صورة الرحمن، وأن النهي عن تقبيح الوجه، هو المراد، لأن الشخص إذا قال: لشخص، قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، شمل التقبيح وجه الله تعالى وتقدس، لأن صورة وجوه بني آدم تشبه صورة وجه الله تعالى، ولكنها لا تماثلها.
بل الأحاديث تدل على أن صورة الإنسان – وليس صورة الوجه وحسب تشبه صورة الله، ولكنها لا تماثلها، أي لا تشبهها في كل شيء، وإنما تشبهها في المظهر العام، وأما التفاصيل فلا شك أنه لا شيء يماثل الله تعالى في كنه صورته وفي كمالها وعظمتها وجلالها وجمالها وبهائها وسنائها. فهو المتفرد بذلك سبحانه.
فإن قال قائل: لكن لماذا اختص ذكر الوجه في الأحاديث دون سائر أعضاء الإنسان؟ 
فالجواب أن العرب تقول "قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك" ولكن لم يكن من سننها أن تقول "قبح الله يدك ويد من أشبهت يدك" أو قدمك أو عينك أو غير ذلك. فجاء النهي، في الباب الذي اعتادت العرب المشاتمة فيه.
فكل هذه الأدلة تدل على أن صورة الإنسان على صورة الله تعالى، بل إن مما يثبت ذلك ويؤكده، حديث تكفؤ الله تعالى للأرض يوم القيامة، حيث شبه وكيّف النبي صلى الله عليه وسلم تكفأ الله تعالى للأرض، بتكفؤ أحدنا لخبزته، وهذا لا يكون إلا إذا كانت صورة الإنسان على صورة الله تعالى. 
ولعل سائلا يقول أوليس هذا تشبيه؟ وماذا عمّا نقل عن أئمة السنة في ذم المشبهة!
والجواب هذا ليس تشبيهاً بالمعنى الذي نهى عنه أئمة السنة، فأئمة السنة هم أول من أثبت التشابه بين صفات الله وصفات بني آدم بإثباتهم صفات الله تعالى.
وإنما مراد أئمة السنة في النهي عن التشبيه وذم المشبهة، أي أن تشبه صفات الله بصفات بني آدم، بما فيها من كمال أو نقص، كما فعل اليهود والنصارى من قبل.
وكذلك النهي عن تشبيه الله، بحيث تعطى كنهاً معيناً، كمن يزعم أن ذات الله من نور، وإنما النور منبعث من ذاته، وأما ذاته فلا يعرف حقيقتها إلا هو سبحانه.
وقال بعضهم، إنما أراد في الأحاديث إثبات أن لله تعالى صورة، كما أن لبني آدم صورة، ولا يعني هذا أن صورة بني آدم على صورة الله تعالى، والدليل على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة".
والجواب على ذلك: أن الحديث ليس حجة في ذلك، فمعنى الحديث في واد، واحتجاجكم في وادٍ أخر، فالعرب تقول صورة فلان على صورة القمر، أو يقولون وجهه كقطعة قمر، أو يقولون وجهه كالقمر بدراً، لا يريدون بذلك التدليل على أن لفلان صورة كما أن للقمر صورة! وإنما مرادهم أنه يشبه القمر في وضاءته وحسنه فقط! فهل يعقل أن نقول بأن معنى حديث "فإن الله خلق آدم على صورته". أو قوله "فإن الله خلق آدم على صورته". هو أن آدم وبنيه يشبهون صورة الله في وضاءتها وحسنها؟! هذا باطل من القول وزورا، وقائل ذلك، قد مثّل صورة آدم وبنيه بصورة الله تعالى، وهذا هو معنى أن تجعل لله نداً، فوقعتم في المحظور، من حيث لا تشعرون أو تشعرون، فلو أنكم سلّمتم بالحق الذي جاءت به الأحاديث، وأقررتم بوقوع الشبه بين صفات الله تعالى وصفات بني آدم، ونفيتم ما نفاه الله تعالى من وقوع المماثلة بين صفاته وصفات خلقه، ما جركم هذا إلى مثل هذه الحجج الخاطئة، والمبتدع الزائغ عن الحق، لا يفر من الحق إلا ووقع في شرّ مما زعم أنه يريد الفرار منه، شعر بذلك أو لم يشعر.
والسؤال هنا هل الله تعالى صوّر جميع ذاته، أم بعضها؟
والجواب: لا أعلم، ولا أحد يعلم، فقد يكون الله تعالى صوّر جميع ذاته، وكوّنها في كون واحد. وقد يكون الله تبارك وتعالى صوّر بعضاً من هذه الذات، وبقي الجزء الأعظم لم يصوّر، فما بقي لم يصوّر، ليس له صورة، ويكون هذا الجزء المصوّر، هو الذي استقر على العرش، وهو الذي يراه الناس يوم القيامة، ويراه أهل الجنّة في الجنّة، وأما باقيه فلا يدركه أحدٌ من خلقه، ولا شك أن لجميع ذاته حدودٌ تنتهي إليها، إلّا أن الله تعالى، هو أعلم بحدّ ذاته وأبعادها.
إن أصبت فمن توفيق الله وهدايته، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه.
ونسأل الله العظيم، بمنّه وكرمه ألّا يحرمنا النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم وأحكم.

صفة التعجب لله تعالى

وهي صفة ذاتية فعليّة لله تعالى.

قال تعالى: ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَب قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبًا أَءِنَّا لَفِی خَلْق جَدِیدٍ ..﴾ [الرعد ٥]

عن قتادة بن دعامة قال في تأويل هذه الآية: إن عجبت يا محمد .. عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.

رواه الطبري وابن أبي حاتم.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة".

رواه أحمد وغيره.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم -أو يضيف- هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعالكما. فأنزل الله: ﴿..  وَیُؤْثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر ٩]

رواه البخاري  ومسلم.

قلت: فصفة التعجّب، صفة ثابتة لله تعالى، وهو التعجب بالمعنى الذي نعرفه، ويتبادر إلى أذهاننا، هذا هو معنى التعجّب في لغة العرب الأمّيّين، الفارق بين تعجّب الله تعالى وتعجّب خلقه، أن تعجّب الله تعالى، يقع عن عِلمٍ سابق، بما سوف يقع من الـمُتعجّب منه، بينما تعجّب الخلق يقع عن جهل سابق بما سوف يقع من المُتعجَّب منه، ومن زعم غير ذلك لزمه الدليل ولا دليل.

والله أعلم وأحكم.


صفة المكر والكيد لله تعالى

هاتان الصفتان، صفتان فعليّتان ثابتتان لله تعالى بنصّ القرآن.
ولكن لا يوصف الله تبارك وتعالى بها مطلقاً، بل يوصف بها مقيدة.
فلا يقال الله ماكر أو كائد.
بل يقال يمكر بمن يمكر بدينه وأوليائه. ويكيد بمن يكيد بدينه وأوليائه.
وهذا لكمال قدرته سبحانه وتعالى.
وكون الشخص ماكر وكائد هذه صفة نقص.
أما من يمكر بمن يمكر به، ويكيد بمن يكيد به، فهذه صفة كمال.
لأنه في هذه الحالة، لا يكون مغفّلاً، بل فطناً ذكيّاً. يجازي الماكر والكائد بمكره وكيده.
قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا۟ وَمَكَرَ ٱللَّهُوَٱللَّهُ خَیْرُ ٱلْمَـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران]
وقال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا۟ مَكْرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ﴾ [الأعراف]
وقال تعالى: ﴿وَإِذَاۤ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَة مِّن بَعْدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر فِیۤ ءَایَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا یَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس]
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِیعا یَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس وَسَیَعْلَمُ ٱلْكُفَّـٰرُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ﴾ [الرعد]
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا۟ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ [إبراهيم]
وقال تعالى: ﴿وَأُمْلِی لَهُمْۚ إِنَّ كَیْدِی مَتِینٌ﴾ [الأعراف]
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ یَكِیدُونَ كَیْدا وَأَكِیدُ كَیْدا فَمَهِّلِ ٱلْكَـٰفِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْدَا﴾ [الطارق]
والله أعلم وأحكم.

صفة الرضى والكره لله تعالى

والرضى والغضب صفتان ذاتيتان فعليتان لله تعالى.
قال تعالى: ﴿قّاَلَ ٱللَّهُ هَـٰذَا یَوْمُ یَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِینَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّـٰت تَجْرِی مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدا رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِیمُ﴾ [المائدة]
وقال تعالى: ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِینَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـٰن رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰت تَجْرِی تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدا ذَ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِیمُ﴾ [التوبة]
وقال تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحَا قَرِیبا﴾ [الفتح]
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. وفي رواية مثله، غير أنه قال: ويسخط لكم ثلاثا، ولم يذكر ولا تفرقوا".
رواه مسلم.
والرضى والكره شعور يشعر الله تعالى به، شعور يصدر من نفسه، ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالرضى والكره، فإن الخلق، يشعرون بذلك في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بذلك.
ومع أن الله سبحانه وتعالى يرضى، إلا أن رضاه لا يناله إلا من يستحقه، ومع أنه يكره، إلا أنه لا يكره إلا الكفّار وذوي الشرّ والفساد، وذلك لكمال قدرته على التحكم في مشاعره.
والله أعلم وأحكم.

صفة الغضب لله تعالى

والغضب صفة ذاتية فعلية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿وَمَن یُوَلِّهِمْ یَوْمَىِٕذ دُبُرَهُۥۤ إِلَّا مُتَحَرِّفا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَیِّزًا إِلَىٰ فِئَة فَقَدْ بَاۤءَ بِغَضَب مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُوَبِئْسَ ٱلْمَصِیرُ﴾ [الأنفال]
وقال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَىِٕنُّ بِٱلْإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرا فَعَلَیْهِمْ غَضَب مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیم﴾ [النحل]
وقال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَىِٕسُوا مِنَ ٱلْـَٔاخِرَةِ كَمَا یَىِٕسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ﴾ [الممتحنة]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب أو غلبت غضبي".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في حديث الشفاعة الطويل "إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله".
رواه البخاري ومسلم.
والغضب شعور يشعر الله تعالى به، شعور يصدر من نفسه، ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالغضب، فإن الخلق، يشعرون بالغضب في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بذلك.
ومع أن الله تعالى يغضب، إلّا أن غضبه لا يقع إلّا على من يستحقه، لأنه سبحانه هو من يتحكم في انفعالاته النفسية ولا تتحكم به، وذلك لكمال قدرته.
والله أعلم وأحكم.

صفة الرحمة لله تعالى

 قال تعالى: ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾ [الفاتحة]
وقال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ ٱلْغَنِیُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ﴾ [الأنعام]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب أو غلبت غضبي".
رواه البخاري ومسلم.
والرحمن صفة ذاتية، والألف والنون للمبالغة والإشباع، أي: الذي كملت فيه صفة الرحمة. والرحيم، صفة فعليّة، أي الذي تظهر الرحمة في أقواله وأفعاله.
ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالرحمة، فإن الخلق، يشعرون بالرحمة في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بالرحمة.
ومع أن الله تعالى رحمان رحيم، إلّا أن رحمته لا ينالها إلّا من يستحقها، لأنه سبحانه هو من يتحكم في انفعالاته النفسية ولا تتحكم به، وذلك لكمال قدرته سبحانه وتعالى.
والله أعلم وأحكم.
 

صفة الصمد لله تعالى

قال الله تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾ [الإخلاص]

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: الصمد الذي ليس بأجوف.

رواه الطبري.

وعن الشعبي قال: الصمد الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب.

رواه الطبري.

وعن عكرمة بن عبدالله، قال: الصمد الذي لم يخرج منه شيء، ولم يلد ولم يولد.

رواه الطبري.

ومثله عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: الصمد الذي يصمد إليه الأمر فلا يقضى دونه، وهو من الرجال الذي ليس فوقه أحد.

رواه الأزهري في تهذيب اللغة.

وقال أحمد بن فارس، في كتاب معجم مقاييس اللغة: الصاد والميم والدال أَصلان: أحدهما القَصْد، والآخَر الصَّلابة في الشَّيء.فالأوَّل: الصَّمْد: القصد. يقال صَمَدْتُه صَمْداً. وفلان مُصَمَّدٌ، إِذا كان سيِّداً يُقصَدُ إليه في الأمور.

فالصمد لها معنيان: الأول: هو الذي لا جوف له، الذي لا يطعم ولا يشرب ولا يتنفس الهواء. والثاني: هو الذي تصمد له الخلائق، أي: تقصده لقضاء حوائجها.


صفة الثقل لله تعالى

عن عبد الله بن خليفة، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال  فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: "إن عرشه فوق سبع سماوات، وإن له لأطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله".
رواه ابن أبي عاصم في السنة له، ورواه عبدالله بن أحمد في السنة له.
وهو حديث صحيح.
وعن الشعبي قال: "إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد".
رواه أبو الشيخ في العظمة، موقوفاً بسند صحيح.
ومرّ معنا حديث أبي موسى في أطيط الكرسي من ثقل قدمي الرب تعالى.
كما مرّ معنا حديث أن الله يضع قدمه في النار حتى ينزوي بعضها إلى بعض، من ثقل قدم الربّ تعالى، حتى تقول قط قط، أي كفى كفى.
كل هذه الأدلة تثبت أن لله تعالى ثقلاً.
وقد لا يجعل له ثقلاً، لأنه سبحانه على كل شيء قدير.
والله أعلم وأحكم.

صفة الجسم بين النفي والإثبات

يجب أن نعلم أن ما لا يمكن إثباته من الصفات الواردة في الكتاب والسنة إلّا بإثبات لازمه، فيجب إثبات لازمه، وإلا فأنت في الحقيقة لم تثبت الصفة.
مثال صفة العلو، لا بد من أن تثبت الحدّ لله تعالى، وتثبت الجهة والحيّز له، وإلا فأنت في الحقيقة، لم تثبت صفة العلو.
وكذلك صفة الاستواء على العرش، إذا لم تثبته بلوازمه، من التمكن والاستقرار والمماساة، فأنت في الحقيقة لم تثبت الاستواء على العرش.
وهكذا في جميع الصفات.
ونأتي هنا إلى صفة الجسم، هل يلزم من إثبات الحدّ لله تعالى وإثبات صفة الصورة والوجه والعينان واليدان والقدمان والكلام بصوت والحركة، أن نثبت لله جسماً؟ وهل هذه الصفات لا تكون إلّا في جسم؟!
والجواب: لا يلزم من إثبات الحدّ لله تعالى وإثبات صفة الصورة والوجه والعينان واليدان والقدمان والكلام بصوت، أن نثبت لله جسماً.
والدليل على ذلك، أن الأرواح لها صور، ولصورها وجوه وعينان ويدان وقدمان وتتكلم بصوت، ومع ذلك هي ليست أجسام بل أرواح، والجسم هو مطيّة الروح.
وقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم أرواح الأنبياء وهي في صورهم التي كانت عليها أجسادهم، وتكلّم معهم، وهذا دليل كافٍ على أنه لا يلزم من وجود الصفات وجود الجسم.
وبما أن الجسم لم ينصّ الله على نفيه، فكيف ننفيه والله لم ينفه؟! 
إذاً القول الفصل في هذه المسألة، أنه يتوقف في هذه الصفة، فلا تثبت ولا تنفى، لأنه لا إثبات ولا نفي إلّا بدليل شرعي، بآية من كتاب الله تعالى أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
والله أعلم وأحكم.

ما ورد في أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى بأمره

عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال "إنّ الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل اللّيل قبل عمل النّهار. وعمل النّهار قبل عمل اللّيل. حجابه النّور (وفي رواية النّار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

رواه مسلم وابن ماجه.

وعن أنس بن مالك قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل "فاستأذن على الله في داره فيؤذن لي عليه" .. الحديث.

رواه البخاري.

والدار، هو ما أحاط بالشيء وأحدق به، سمّي بذلك لأنه يدور عليه، وهو يشتمل على معان عديدة، والمراد به هنا ما دار حول المنزل.

فأثبت في الحديث أن لله تبارك وتعالى دارا تليق بجلاله وعظمته، وأن من أراد الدخول إليه في داره، وجب عليه أن يستأذن حتى يأذن الله له، والدار مثل الحجب، مما أذن الله له من مخلوقاته أن تحده وتحجبه.

وقد زعم البعض أن كلمة "الدار" شاذة، لم ترد إلا في رواية واحدة، وباقي الروايات لم يرد فيها ذكر الدار، يريد بذلك إنكار وجود الدار.

والجواب على ذلك أن كلمة "الدار" وإن لم ترد سوى في رواية واحدة، إلا أن جميع الروايات تتفق على هذا المعنى وتصححه وتؤكده، فقد ورد في جميع الروايات باتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأن على ربي" هذا ما قاله رسول الله نصا في جميع الروايات التي رويت عنه، فما الذي يحول بينه وبين الله، حتى أنه لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد أن يستأذن له عليه، إذا هناك حائل بينه وبينه ربه، وهي الدار.

فكل هذه المعطيات، تدل على صحّة لفظة "الدار" وإن لم يصرّح بها إلا في رواية واحدة، ولهذا أوردها أمير المؤمنين في الحديث البخاري واحتج بها.

فهذه أحاديث عظيمة جليلة، تدل على أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى، ويحجبها عن خلقه، بأمره سبحانه، كما تتضمّن إثبات أن لذات الله تعالى حدّاً وغايةً.

والله أعلم وأحكم.


إثبات الحدّ لذات الله تعالى

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - وفي رواية: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

وهو حديث صحيح، رواه مسلم وابن ماجه.

فهذا حديث صريح في أن لذات الله تعالى حداً، وأن بينه وبين خلقه حجاب من نور أو نار، والحُجُب لا تكون إلّا لمن كان لذاته حد تنتهي إليه.

وروى أحمد والترمذي وغيرهما عن وكيع بن حدس عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "في عماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء". اهـ

والعماء، هو السحاب الأبيض.

والهواء، هو الفراغ، أي: العدم المحض، الذي لا شيئة فيه. 

وقد تطلق العرب على الرياح، اسم الهواء، لتشابهِهَا مع العدم، في بعض خصائصه.

فدل هذا الحديث على أن لله تعالى فوق وتحت.

أي: حد لذاته من فوق، وحد لذاته من تحت.

وهو سبحانه من يُقدِّر فوقه من تحته.

ووكيع بن حدس له روايات أخرى مستقيمة، ولذلك حسن أئمة السنة أحاديثه، وحكموا بصدقه.

والحديث يقبل ويكون حجة، إذا لم يكن له معارض من كتاب الله تعالى أو الأحاديث الأصح منه سندا، وليس لهذا الحديث معارض من الوحيين، وهذا مذهب أئمة السنة والحديث والأثر.

وروى مسلم في صحيحه.

وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".

فأشار هذا الحديث إلى أن لله تبارك وتعالى حداً من يمين، وحداً من شمال.

ثم هو بعدُ أعلم بحده، وأعلم بأبعاد هذه الذات.

وقال الإمام مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء".

أخرجه أبو داوود في مسائله بسند صحيح.

وهذا الأثر الجليل، من رواية عبدالله بن نافع الصائغ، قال عبدالله بن عدي في الكامل: "حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أبو طالب أحمد بن حميد، سألت أحمد بن حنبل، عن عبد الله بن نافع المديني الصائغ، قال: لم يكن صاحب حديث، كان ضيّقاً فيه، وكان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك".

وقوله: "كان ضيّقاً فيه" أي: أنه لم يكن محدثا، وإنما كان عالما برأي الإمام مالك.

قال أبو داود في سوءالاته للإمام أحمد: سمعت أحمد قال: "عبد الله بن نافع الصائغ، لم يكن يحسن الحديث، كان صاحب رأى مالك".

أي: أنه خبير برأي مالك، فكل ما ينقله عن مالك صحيح عن مالك.

فيتبين مما سبق، أن جميع روايات الصائغ عن الإمام مالك صحيحة.

وقيل للإمام عبدالله بن المبارك، وكان من كبار أئمة السنة، وكان يلقب أمير المؤمنين في الحديث، لسعة حفظه وعلمه: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال: على العرش بحد.

وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.

رواه الخلال في السنة، وحرب الكرماني، في مسائله.

وروى الخلال في السنة بعد ذكر كلام ابن المبارك: فقال أحمد هكذا على العرش استوى بحد. فقلنا له: ما معنى قول ابن المبارك بحد؟ قال: لا أعرفه، ولكن لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع ﴿إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ﴾ ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ﴾ ﴿تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ﴾ وهو على العرش وعلمه مع كل مكان.

وقال الاصطخري: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه:

"ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل على العرش وله حد والله أعلم بحده ويتحرك ويتكلم وينظر ويضحك ويفرح" اهـ

رواه ابن أبي يعلى في كتاب: طبقات الحنابلة، بسند لا بأس به.

وسئل الإمام إسحاق بن راهوية: ما تقول في قوله تعالى: ﴿مَا یَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ﴾ .. الآية؟ فقال: حيث ما كنت هو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن عن خلقه. فقال السائل: على العرش بحد؟ قال: نعم بحد.

رواه حرب في مسائله.

شبهة والرد عليها:

روى حنبل وإسحاق بن راهوية، عن الإمام أحمد بن حنبل، أنه قال: "نحن نؤمن بأن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد" اهـ

كما روي عن بعض أئمة السنة إنكارهم للحد.

والجواب: أثبتنا سابقا إثبات الإمام أحمد للحد وأنه من لوازم إثبات علوه سبحانه مما يدل على أن مرادهم العلو الذاتي وإثبات الإمام أحمد الحد لله عز وجل ليس له معنى إلا أن الإمام يثبت الحد لله عز وجل فكان إثباته للحد هنا هو القول المحكم أما قوله بأن الله ليس له حد فهو يتصرف على معنيين: الأول: إنكار الحد مطلقا والثاني: إنكار أن يكون أحد من خلق الله قادر على أن يدرك هذا الحد ويستوعبه. فأصبح إنكاره للحد هنا هو القول المتشابه فإذا رددنا قوله المتشابه إلى قوله المحكم عرفنا أن مراد الإمام بإنكاره للحد في هذه الرواية إنما مراده منها: إنكار أن يكون أحد من خلق الله قادر على أن يدرك هذا الحد ويستوعبه؛ لأن إثباته الحد لله عز وجل لا يمكن أن نقول بان له معنا أخر غير ظاهره.

وأما كلام أئمة السنة، فإنه يفسر بعضه بعضا، فمرادهم جميعا، أن الله بائن من خلقه بحد يدركه هو من نفسه سبحانه، ولكن خلقه يعجزون عن إدراك حده.

وقد تبيّن من خلال الأدلة الدالة على علوّ الله تعالى على سماواته، وجلوسه على عرشه، واحتجابه بالنار والدار، أن لذات الله تعالى حدّاً وغاية، حدّاً يدركه هو من نفسه، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدركه، وأنه لا يعلم أبعاد هذه الذات إلا الله سبحانه وتعالى.

وبما أن لذات الله تعالى حدّاً، فهذا يعني، أن لذاته حجماً، ولكمال قدرته سبحانه، يتحكم في حجمه، فلو شاء زاد في حجمه حتى لا يكون شيء أكبر منه، وإن شاء أدنى من حجمه إلى ما شاء، لا حدّ لحجمه عندما يزيد فيه، ولا حدّ لحجمه عندما يدني منه، ولكنه قضى ألا يكون شيء أكبر منه، فهو الكبير، وهو الأكبر.

والله أعلم وأحكم.

القول في الفعل ما هو؟!

اعلم أن الفعل أصالة ليس بشيء، حتى يقال بأنه مخلوق أو غير مخلوق، فليس الفعل شيء قائم بذاته، يشار إليه بالبنان، ويقال هذا فعل. إنما الفعل وصفٌ لما تقوم به الجوارح من أعمال، وما ينتج عن عملها من أثر ملموس.

وأما قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات] فيدلّ على معناه، ما سبقه من آيات، فقال تعالى: ﴿قَاَلَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات] فالضمير في قوله: ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ عائد على ما ينحتون، فالمراد به هو الأصنام التي ينحتونها من الطين والجص والخشب، فليس المراد به أن الفعل ذاته مخلوق، لما قدمّت بأن الفعل أصالة ليس بشيء، ولا وجود له، حتى يقال بأنه مخلوق أو غير مخلوق.

فجوارح الله تعالى ليست مخلوقة، ولكن ما ينتج عنها من أثر ملموس فهو مخلوق، وجوارح المخلوقات مخلوقة، وما ينتج عنها من أثر ملموس فهو مخلوق أيضاً.

والله أعلم وأحكم.

 


هل توصف يدي الله وقدميه بأنها جوارح؟

جَرَح في لغة العرب تعني: فعل. والجُرْح هو أثر الفعل.

فكل شيء يصدر منه فعل فهو جارح.

وكل صفة يصدر منها فعل فهي: جارحة.

فإذا تقرر هذا المعنى، فنقول: أليس الله تعالى يسبط بيديه ويقبض، ويطوي السماوات بيمينه، ويقبض على الأرض بشماله، وأنه يضع قدميه في النار، ويضغط بها عليها حتى ينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط. أي: كفى كفى.

إذا كل صفة لله تعالى يصدر منها فعل له، فهي جارحة.

وقد اعترض هذا القول بعض من لا عقل له، واحتج بإنكار الدارمي والطبري والفراء، بأن توصف يدي الله وقدميه بأنها جوارح، والدارمي والطبري والفراء إنما أتيوا من ظنهم أن لفظ الجارحة لا يطلق إلّا على أعضاء الإنسان، وهذا باطل، فإن معنى الجارحة أعم من ذلك، فالعرب تطلق على كل ما يصدر منه فعل جارح وجارحة.

والله أعلم وأحكم.

صفة الحركة لله تعالى

والحركة صفة فعلية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَقُضِیَ ٱلْأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ﴾ [البقرة]
قوله ﴿یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ﴾ أي يوم القيامة، عندما ينزل الله تعالى إلى الأرض لفصل القضاء، ينزل في ظلل من الغمام.
وقال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأْتِیَهُمُ ٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام]
قوله ﴿أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ﴾ في هذا دليل على أن إتيان الله تعالى يوم القيامة، غير إتيان الملائكة، وغير إتيان آياته، وهذا يدل على أن إتيان الله يوم القيامة ليس إتيان أمره أو قدرته وحسب، لأن إتيان أمره وقدرته يوم القيامة، إنما يكون بإتيان ملائكته وآياته، فتبين بذلك، أن إتيان الله هنا إتيان بذاته سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: ﴿وَجَاۤءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّا صَفّا﴾ [الفجر]
وهذا يوم القيامة، حيث يأتي الله يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، تحف به ملائكته المسبحة بقدسه، وملائكة السماوات صفوف بعضها خلف بعض، محيطة بأهل الأرض.
وفي بعض روايات حديث الشفاعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرج إلى السماء ليشفع للناس عند ربهم ليريحهم من هول الموقف، ويأتي لفصل القضاء بينهم، فيقول الله تعالى "حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص"، قال: أبو هريرة يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: "قدّام العرش، فأخر ساجداً، فلا أزال ساجداً حتى يبعث الله إليّ ملكاً، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، ثم يقول الله لي: محمّد، وهو أعلم، فأقول: نعم، فيقول: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، شفّعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول: قد شفّعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم".
رواه الطبري.
وفيه قال: النبي صلى الله عليه وسلم "فأنصرف حتى أقف مع النّاس، فبينا نحن وقوف، سمعنا حسّا من السّماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السّماء الدّنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض، بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثمّ ينزل أهل السّماء الثّانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت. ثمّ نزل أهل السّموات على قدر ذلك من الضّعف حتى نزل الجبّار في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم".
رواه الطبري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" اهـ
رواه البخاري.
وفي هذا الحديث، دليل على أن الله تعالى ينزل بذاته المقدّسة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل.
فهذا كله فيه دليل قاطع على أن الله تعالى يتحرك، وينتقل من مكان إلى مكان، فيجيء ويأتي وينزل ويصعد.
وهنا مسألة هل الله يتحرك بذاته كلها أو بعضها؟
والجواب: الله أعلم، ولكن الذي يظهر لي من خلال الآيات والروايات، أن حركة الله جزئية، بحيث هو في مكانه، وجزء منه في مكان أخر، فهو دائم لا يزول، ولا يغيب عن عباده، أين كانوا، وهذا جليّ من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿قَاَلَ لَاۤ أُحِبُّ ٱلْـَٔافِلِینَ﴾ [الأنعام] قال قتادة: عَلِم أن ربّه دائمٌ لا يزول. اهـ 
رواه الطبري.
والله أعلم وأحكم.

صفة القدمين لله تعالى

والقدمان صفتان ذاتيتان لله تعالى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه في خبر تحاجّ الجنّة والنّار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأما النار فلا تمتلئ، فيضع قدمه عليها، فتقول قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض".

رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله "قط قط" أي كفى كفى.

وقوله "ويزوى" أي ينزوي بعضها إلى بعض، كأنما تجتمع على قدم الله تعالى من ثقل قدمه سبحانه، وامتلاء النار بها.

وعن أبي موسى الأشعري، قال: "الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل".

أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح، موقوفاً.

وعن عبدالله بن عباس، قال: "الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره".

رواه محمد بن خزيمة في كتاب التوحيد، بسند صحيح، موقوفاً.

فدلّت هذه الأحاديث، على أن لله تبارك وتعالى قدمين، وبما أنهما قدمان، فهما يمين وشمال، كما أن يديه يمين وشمال، وشمال قدمه كيمينها في كمالها وجلالها وجمالها وعظمتها.

والله أعلم وأحكم.


صفة الحقو لله تعالى

 وصفة الحقو صفة ذاتية لله تعالى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك". 

قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِن تَوَلَّیْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِی ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤا أَرْحَامَكُمْ أُولَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰۤ أَبْصَـٰرَهُمْ﴾ [محمد]. 

رواه البخاري.

وفي رواية: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَیْتُمْ﴾

رواه البخاري ومسلم.

والحَقو، هو الخَصْر، وهو محلّ شدّ الإزار، ثم توسّع العرب حتى أطلقوا على الإزار حقواً.

وهذا الحديث، فيه دلالة صريحة بأن الله تعالى جعل لذاته حقواً، ولولا ذاك، لما تعلّقت الرَحِم بحقوه.

مع العِلم، أن قوله: "قامت الرحِم فأخذت بحقو الرحمن" قد يراد به التأكيد على عِظَم شأن حقِّ الرَحِم، لأن الرحم، إنما هي القرابة، التي تكون بين شخص وأخر، فهي ليست جسما محسوسا، ولكن إذا قلنا بأن الله تعالى خلقها في جسم، كما سوف يخلق الحسنات والسيئات، فإن الله تعالى بينه وبين خلقه حجاب من نار، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجابه النور – وفي رواية: من نار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". وهذا يعني أنه لو كان الله تعالى خلق الرحم جسماً، لما تمكنت من الوصول إليه وهو خلف الحجاب، إلّا أن نقول بأن الله تعالى أذن لها في الوصول إليه، دون أن يحرقها نوره تعالى. 

والله أعلم وأحكم. 


صفة الأصابع لله تعالى

والأصابع صفات ذاتيّة لله تعالى.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك".
رواه مسلم.
وعن عبدالله رضي الله عنه قال: جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا محمد، إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه".
رواه البخاري ومسلم.
وقال منصور بن المعتمر: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له.
رواه البخاري.
ومنصور بن المعتمر، من كبار أئمة السنة المتقدمين.
ورواه عبدالله بن حنبل في كتاب السنة وقال: قال أبي: قال يحيى: قال فضيل بن عياض: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا وتصديقا له.
والفضيل بن عياض، من كبار أئمة السنة المتقدمين، وكان يلقّب عابد الحرمين، لكثرة عبادته.
وروي هذا الحديث بمتون مختلفة، ففي رواية ذكر ست أصابع، وفي رواية أنها أربع، وفي رواية أنها ثلاث، وهذا من أوهام الرواة وتخليطهم، وأكثر الروايات على أنها خمس أصابع، فثبت بذلك أن لله تعالى خمس أصابع في كل يد.
والله أعلم وأحكم.

صفة اليدين لله تعالى

واليدان صفتان ذاتيّتان لله تعالى.
قال الله تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قالوا: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾ [المائدة].
وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك].
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون].
وقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران].
وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ [يس].
وهما يدان يمين وشمال.
قال تعالى: ﴿قال: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص].
وقال تعالى:﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر].
وعن ‌سالم بن عبد الله، أخبرني ‌عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله تعالى السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون، ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول أنا الملك، أين الجبارون، أين المتكبرون".
رواه مسلم.
وهذا الحديث، فيه تشبيه من النبي صلى الله عليه وسلّم لصفة الله تعالى في طي الأرض والسماوات، مما يدل على وقوع التشابه بين صفات البشر وصفاة الله تعالى في الاسم والمعنى والكيف أيضاً.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يمين الرحمن ملأى سحّاء لا يغيضها الليل والنهار" .. قال: "أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات، فإنه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع".
رواه البخاري ومسلم والترمذي.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة".
رواه البخاري ومسلم.
وقوله "يتكفؤها الجبّار كما يتكفأ أحدكم خبزته" فيه تشبيه أيضاً من النبي صلى الله عليه وسلّم لصفة الله تعالى في تكفئه للأرض يوم القيامة، بتكفؤ البشر للخبزة عند إصلاحها، مما يدل على وقوع التشابه بين صفات البشر وصفاة الله تعالى في الاسم والمعنى.
بل إن هذا الحديث الصحيح، صريح في إثبات الكيف بين صفة الخالق والمخلوق، وهذا واضح جليّ من قوله صلى الله عليه وسلم: "كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر" فهل هناك ما هو أوضح من هذا التشبيه والتكييف؟!
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك".
رواه البخاري ومسلم.
وعن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية".
رواه أبو داود والترمذي.
وحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن تعالى، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".
رواه مسلم.
فتبين من خلال ما سبق أن لله تبارك وتعالى يدان، وأن يداه يمين وشمال، وأن شماله كيمينه في كمالها وجلالها وجمالها وعظمتها، لا تفرق يمينه عن شماله، ولا شماله عن يمينه في شيء.
وقد قدّمت أن العرب قد يُشيرون إلى المثنّى والجمع بصيغة المفرد، للدلالة على الواحد من الاثنين أو الواحد من الجماعة، وقد يشيرون إلى المثنّى والمفرد بصيغة الجمع، للتفخيم والتعظيم، ولكن يستحيل في لغة العرب أن يشيروا إلى المفرد أو الجمع بصيغة المثنى، فإذا قالوا: اثنان فهما اثنان حقاً.
والله أعلم وأحكم.

صفة الضحك لله تعالى

والضحك صفعة فعلية لله تعالى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله، فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل، فيستشهد".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في خبر آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيقول الله ويحك يا ابن آدم، ما أغدرك، أليس قد أعطيت العهود والميثاق، ألّا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله تعالى منه، ثم يأذن له في دخول الجنة".
وفي رواية "فيقول ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول أي رب، لا أكونن أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه، قال: له ادخل الجنة".
رواه البخاري.
وعن أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره". قال: قلت: يا رسول الله، أويضحك الرب؟ قال: "نعم". قلت: لن نعدم من رب يضحك خيرا.
رواه أحمد وابن ماجه.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم" .. الحديث.
رواه الطبراني.
والضحك الوارد في الأحاديث، هو الضحك الذي تعرفه العرب من ظاهر كلامها، هو الضحك المعهود، يضحك الله ويفعل ما يشاء، لأنه على كل شيء قدير.
والله أعلم وأحكم.

صفة الكلام لله تعالى

والكلام بصوت يسمع وحرف ينطق، صفة ذاتيّة فعليّة لله تعالى.
قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِیما﴾ [النساء]
قال وائل بن داود التيمي أبو بكر الكوفي، في تأويل هذه الآية: "مشافهة مراراً".
رواه ابن أبي حاتم.
قلت: ومراده أن الله تعالى كلّم موسى بنفسه مشافهة، بدون واسطة.
وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ﴾ [الأعراف]
وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
رواه البخاري ومسلم.
فدلّ هذا الحديث على أن الله يكلّم عباده بصوت يسمع وحرف ينطق، بدلالة قوله أنه ليس بينه وبينهم ترجمان، فلن يخلق الله تعالى صوتاً يكون ترجماناً بينه وبين خلقه، ولن يُكلِّف ملكاً بذلك، بل هو سبحانه من يخاطب عباده بنفسه وبصوته وحرفه، وفيه إثبات أن الله تعالى يتكلم بصوت يسمع وحرف ينطق، وأن كلامه كلمات متعاقبة، وجمل تفهم.
وهو سبحانه يتكلّم متى شاء، ويسكت متى شاء، سكوتاً لم يقع عن عجزٍ وانقطاع، تعالى ربنا وتقدس، بل سكوتاً عن قدرة واستطاعة.
وقدرة الله تعالى على الكلام بصوت، والتعبير عمّا في نفسه، من كمال قدرته وغناه، فليس هو سبحانه في حاجة لمخلوق يتكلّم بالنيابة عنه، ليعبّر لخلق الله عمّا يريد الله تعالى أن يقوله لهم.
وعن عبدالله بن أنيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُحشَرُ العبادُ عُراةً غُبْرًا بُهمًا قلنا: ما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ ثمَّ يُناديهم ربُّهم تعالى بصوتٍ يسمعُه من بَعُد كما يسمعُه من قَرُب" .. الحديث.
رواه أحمد والبخاري.
وهذا من كمال صفة الكلام فيه سبحانه، أنه إذا تكلم لأحد، لم يخفى عليه شيء من كلام الله تعالى.
وأنه قادر سبحانه وتعالى أن يكلم كل شعب بلغتهم، ويكلم كل دابة بكلامها، وكيف لا يستطيع ذلك، وهو من علم مخلوقاته لغاتها التي تتخاطب بها.
وإذا خرج صوته من ذاته، فلا يدرا ماذا يصير إليه، وهل يرجع إلى ذاته كما صدر منها، أو يفعل الله به ما يشاء.
وأنه لا يدرا ما كنه صوته، إلا أنه صوت يسمع، وكلمات تفهم، وهو في كنهه لا يماثل أصوات خلقه، والفارق بين صوت الله، وبين أصوات خلقه، كالفارق بين ذات الله تعالى وذوات خلقه، فصوت الله ليس بمخلوق، كأصوات المخلوقات.
والله أعلم وأحكم. 

صفة العِلم لله تعالى

العِلم صفة ذاتيّة لله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿وَٱعْلَمُوۤا أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیم﴾ [البقرة]
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: "العالم الذي قد كمَل في علمه".
رواه الطبري.
وقوله "بكل شيء" على ظاهرها، أي لا يعزب عن علمه شيء.
وعلى هذا فالله تبارك وتعالى يعلم ما كان في الماضي.
قال تعالى: ﴿قال: فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلْأُولَىٰ قال: عِلْمُهَا عِندَ رَبِّی فِی كِتَـٰب لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى﴾ [طه]
ويعلم ما يقع في الحاضر.
قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلْـَٔاخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُوَهُوَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّام ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِیَعْلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلْأَرْضِ وَمَا یَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعْرُجُ فِیهَاوَهُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ مَا كُنتُمْۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیر﴾ [الحديد]
قوله ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَیْنَ مَا كُنتُمْ﴾ أي معكم بعلمه.
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلْأَرْضِمَا یَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَاۤ أَدْنَىٰ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا یَوْمَ ٱلْقِیَـٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ﴾ [المجادلة]
ويعلم ما سوف يقع في المستقبل.
قال تعالى: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَ وَیَعْلَمُ مَا فِی ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّة فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْب وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِین﴾ [الأنعام]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ ٱلْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی ٱلْأَرْحَامِوَمَا تَدْرِی نَفْس مَّاذَا تَكْسِبُ غَدا وَمَا تَدْرِی نَفْسُ بِأَیِّ أَرْض تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرُ﴾ [لقمان]
وقال تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا أَوْ خَلْقا مِّمَّا یَكْبُرُ فِی صُدُورِكُمْ فَسَیَقُولُونَ مَن یُعِیدُنَاقُلِ ٱلَّذِی فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة فَسَیُنْغِضُونَ إِلَیْكَ رُءُوسَهُمْ وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَقُلْ عَسَىٰۤ أَن یَكُونَ قَرِیبا﴾ [الإسراء]
فأخبر سبحانه وتعالى بما سوف يقع منهم قبل أن يقع، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
ويعلم ما لن يكون إذا كان كيف يكون.
قال تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا یُخْفُونَ مِن قَبْلُوَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ﴾ [الأنعام]
فأخبر سبحانه وتعالى، أن أهل النار لو ردوا إلى الدنيا، لعادوا إلى ما نهو عنه من الكفر، مع أن هذا لن يكون.
بل ويعلم ما تخفيه الصدور، وما يجول في الأفكار والعقول.
قال تعالى: ﴿یَعْلَمُ خَاۤىِٕنَةَ ٱلْأَعْیُنِ وَمَا تُخْفِی ٱلصُّدُورُ﴾ [غافر]
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِیدِ﴾ [ق]
وقوله ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِیدِ﴾ [ق]
أي الله تعالى أقرب لعبده بعلمه، من حبل الوريد.
والأوردة، هي عروق الجسم الكبار.
وتحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیْء قَدِیر﴾ [البقرة]
فمهما حاولت أن تتوهّم مبلغ قدرة الله تعالى في علمه، فلن تدرك إلا الشيء اليسير، سبحان ربنا وتعالى وتقدس.
والعلم علمان، علم تقدير، وعلم فِعَال، فما علمه الله تعالى في سابق علمه، فهو علم تقدير، أي: علم الله أنه سوف يقع، وأما علم الفعال، فيعلمه الله عند الفعل، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا لَیَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیْء مِّنَ ٱلصَّیْدِ تَنَالُهُۥ أَیْدِیكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِیَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلْغَیْبِ﴾ [المائدة]
وقوله تعالى: ﴿ٱلْـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمْ ضَعْفا فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّائَة صَابِرَة یَغْلِبُوا۟ مِائَتَیْنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمْ أَلْف یَغْلِبُوۤا۟ أَلْفَیْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [الأنفال]
وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا یَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ یَتَّخِذُوا۟مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَة وَٱللَّهُ خَبِیرُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة]
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِوَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِیدَ فِیهِ بَأْس شَدِید وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلْغَیْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیز﴾ [الحديد]
فهذا وما أشبهه من الآيات، فإنما يراد به عِلْم الفِعال، فعلم الله تعالى ما خلقه عاملون قبل أن يعملوه علم تقدير، ثم علمه عِلم فعال، عندما فعلوه.
وكمال علمه، هو من كمال قدرته سبحانه وتعالى.
والله أعلم وأحكم.

صفة السمع لله تعالى

وصفة السمع صفة ذاتيّة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ سَمِیعٌ عَلِیم﴾ [البقرة]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَا بَصِیرا﴾ [النساء]
وقال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلْعَلِیمُ﴾ [المائدة]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلْبَصِیرُ﴾ [غافر]
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر منّي، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات، قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله".
رواه ابن ماجه بسند صحيح، ورواه البخاري معلّقاً.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل عليه السلام ناداني قال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك".
رواه البخاري.
وعن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: "إربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعاً بصيراً قريباً".
رواه البخاري.
فنفى النبي صلى الله عليه وسلم عن الله صفة الصمم، وأثبت له ضدّها، وهو السمع، فتبيّن أن المراد بالسمع هنا الذي هو ضد الصمم، وهو سماع الأصوات، فتنبّه.
وقدرة الله تعالى على سماع الأصوات، من كمال قدرته وغناه، فليس هو سبحانه في حاجة لمخلوق يسمع له الأصوات.
وتحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیْء قَدِیر﴾ [البقرة] فلن تدرك الأوهام كمال صفة السمع فيه سبحانه وتعالى، فلا يخفى عليه شيء من أصوات مخلوقاته، حتى أنه يسمع دبيب النملة السوداء على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء، ويستطيع التمييز بين الأصوات، وإن على عجيجها وكثر صخبها وضجيجها، يسمعها في وقت واحد، كما لو كان لا يستمع إلا لشخص واحد.
والله أعلم وأحكم.

صفة الرؤية والإبصار لله تعالى

والرؤية والإبصار صفة ذاتية له.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِیرٌ﴾ [البقرة]
وقال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ بَصِیرُ بِٱلْعِبَادِ﴾ [آل عمران]
قال تعالى: ﴿وَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ﴾ [التوبة]
وقال تعالى: ﴿وَقُلِ ٱعْمَلُوا فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَۖ﴾ [التوبة]
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ یَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ یَرَىٰ﴾ [العلق]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قرأ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها} إلى قوله تعالى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء ٥٨] قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال: أبو هريرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرؤها، ويضع إصبعيه. 
قال المقرئ: يعني أن الله سميع بصير.
فدلت الأدلة الشرعيّة، على أن الله تبارك وتعالى بصراً، وأنه يرى الصور.
وقدرته على الرؤية والإبصار هو من كمال قدرته وغناه، فليس هو سبحانه في حاجة إلى مخلوق يرى ويبصر له الأشياء.
وليست رؤيته وبصره مقيّدان بعينيه، ذلك أنه سبحانه وتعالى، لم يجعل له عينان إلّا تجمّلاً.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأصحابه "إنِّي أَراكم مِن خَلْفي ومِن أمامي".
رواه مسلم.
فدلّ هذا الحديث على أن إبصار النبي ورؤيته غير مقيدة بعينيه، فبصر النبي ورؤيته أكمل منها في غيره من البشر، فهو يرى من قفاه بلا عينين، كما يرى من أمامه بعينين.
فإذا كان هذا حال النبي، وهو خلق من خلق الله، فما بالكم بالله العظيم، الذي منح النبي هذه القدرة!
وتحت قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیْء قَدِیر﴾ [البقرة] فلن تدرك الأوهام كمال صفة الإبصار والرؤية فيه سبحانه وتعالى.
فهو يرى النملة السوداء على الصفاة الملساء في الليلة الظلماء، ويرى جميع الصور، في زمنٍ واحد، وكأنه ينظر إلى صورة واحدة، لا تختلط عليه الصور، ولا يشغله النظر إلى بعضها عن النظر إلى الأخريات، ويرى الصور وهي من وراء الصور، لا يحجب بعضها بعضاً عن بصره.
والله أعلم وأحكم.

صفة العينان لله تعالى

والعينان صفتان ذاتيّتان لله تعالى
قال تعالى: ﴿وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْیُنِنَا وَوَحْیِنَا﴾ [هود]
وقال تعالى: ﴿وَأَلْقَیْتُ عَلَیْكَ مَحَبَّة مِّنِّی وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَیْنِیۤ﴾ [طه]
وقال تعالى: ﴿وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْیُنِنَا﴾ [الطور]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَا بَصِیرا﴾ [النساء] فوضع إبهامه على أُذُنه، والتي تليها على عينه.
وقال بعض أهل العِلم، إنما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه وأذنه، لأجل تحقيق الصفة فقط، لا للتشبيه.
قلت: وهذا تأويل قائم على الظن لا أكثر، ففي الحديث إشارة إلى إثبات صفة العين والأذن لله تعالى، حقيقة لا مجازاً، وليس لمجرد تحقيق الصفة وحسب، فتنبّه.
وعن عبدالله بن عمر قال: ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية".
رواه البخاري.
فدلّ هذا الحديث الصحيح، على أن لله تبارك وتعالى عينان صحيحتان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل العلامة الفارقة البيّنة بينه وبين صورة الدجال، أن الدجّال أعور، وأن الله ليس بأعور.
والعور في لغة العرب التي يتداولونها ويفهمون بها خطاب الشرع، هو الذي يكون له عينان إحداهما مفقوءة، فهذا الذي يفهمه العرب من لغتهم، فإذا كان الله تعالى ليس بأعور إذا فله عينان.
والعرب تشير إلى المثنى والجمع بصيغة الواحد، للإشارة إلى أحد الاثنين، أو أحد الجماعة، لذلك قال في سورة طه: ﴿عَیْنِیۤ﴾.
وقد تشير العرب إلى الواحد أو المثنى بصيغة الجمع، للتفخيم والتعظيم، لذلك قال في سورة هود والطور: ﴿بِأَعْیُنِنَا﴾
ولكن يستحيل في لغة العرب، أن يشير إلى الواحد أو الجماعة بصيغة المثنى، فإذا ثنّت العرب شيئاً، فمعناه أنهما اثنان.
والله أعلم وأحكم.

صفة الوجه لله تعالى

والوجه صفة ذاتية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَاۤءَ وَجْهِ ٱللَّهِۚ﴾ [البقرة]
وقال تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ صَبَرُوا ٱبْتِغَاۤءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرعد]
وقال تعالى: ﴿كُلُّ شَیْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥۚ﴾ [القصص]
والعرب تكنّي عن بقاء الذات ببقاء الوجه، كون الوجه أشرف شيء في الذات، وإذا بقي وجه الله، بقي كلّه، وإذا بقي كله، بقي ملكه. 
وتأول البخاري في صحيحه هذه الآية ببقاء الملك، اختصاراً منه للتأويل فقط، لا إنكاراً منه لصفة الوجه، لأن الإمام البخاري في صحيحه وتواريخه وكتابه خلق أفعال العباد، صرّح بإثبات الصفات، فتنبه.
وقال تعالى: ﴿ذَ ٰلِكَ خَیْر لِّلَّذِینَ یُرِیدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ﴾ [الروم]
وقال تعالى: ﴿وَیَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن]
أي الوجه الجليل الذي يكرم عن كل ما يشينه.
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمْ جَزَاۤء وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان]
وقال تعالى: ﴿إِلَّا ٱبْتِغَاۤءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلْأَعْلَىٰ﴾ [الليل]
وعن عتبان بن مالك الأنصاري، قال: غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال "لن يوافي عبد يوم القيامة، يقول لا إله إلا الله، يبتغي به وجه الله، إلا حرّم الله عليه النار".
رواه البخاري.
في أحاديث كثيرة في عمل الأعمال الصالحة ابتغاء وجه الله تعالى.
وهذا من سنن العرب في الكلام، إذا فعلوا فعلاً يريدون به التزلف لعظيم من عظمائهم قالوا: فعلنا ذلك ابتغاء وجهك. أي تقرباً إليك وتزلّفاً إليك، لترضى عنّا وتقبل علينا بوجهك.
وهذا لا يقال إلّا لمن كان له وجه حقيقة، فدلّت هذه الآيات والأحاديث على أن لله تبارك وتعالى وجهاً حقيقة، ذوّاه بالجلال والإكرام.
ويقال للجهة وجهاً، لأن المتّجه إلى الجهة، يستقبلها بوجهه، فكأن العرب استعاروا وصف الوجه للجهة.
والله أعلم وأحكم.

صفة النفس لله تعالى

والنفس صفة ذاتية لله تعالى. 

قال تعالى: ﴿وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران]

وقال تعالى، مخبِراً عمّا قاله له نبيّه عيسى عليه السلام: ﴿تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَلَاۤ أَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِكَ﴾ [المائدة]

وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام]

وعن أي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: "يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا".

رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي" .. الحديث

رواه البخاري ومسلم.

قلت: والنفس، هي الذات، تقول العرب: نفس الشيء، أي: ذات الشيء. وبما أن الله تبارك وتعالى له ذات، فهو شيء، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ أَیُّ شَیْءٍ أَكْبَرُ شَهَـٰدَةࣰقُلِ ٱللَّهُشَهِیدُ بَیْنِی وَبَیْنَكُمْۚ﴾ [الأنعام] وهو سبحانه أعظم الأشياء.

والله أعلم وأحكم.

مسألة تعلق قدرة الله بالممكنات

قد يقول البعض: هل الله يستطيع أن يميت نفسه؟ هل الله يستطيع أن ينام؟ هل الله يستطيع أن ينعس؟ هل الله يستطيع أن يتعب؟ هل الله يستطيع أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها؟

والجواب: أنه لو قدر الله تعالى على شيء من ذلك، لكان ذلك دليلاً على نقصان قوّته وقدرته، لأن من كمال قوّته وقدرته دوام حياته وأزليّته، ومن كمال قدرته، أنه لا يعجزه شيء، فقدرة الله على أن يميت نفسه أو ينام أو ينعس أو يتعب أو يخلق صخرة يعجز عن حملها، هو بحد ذاته، نقص في كمال قوّته وقدرته، لأنه إذا كان الأمر كذلك، ففيه دلالة على أن في صفات الله تعالى ضعفاً لا يدركه إلّا هو، وهذا مستحيل في حقه، لأنه أخبرنا بأنه الحيّ الذي لا يموت، وأنه كامل القوّة والقدرة، الذي لا يعجزه شيء، وكل ما في قدرة الله تعالى عليه نقص في كمال قوّته وقدرته، فهو غير ممكن، فنقول عندئذٍ، بأن قدرة الله تعالى تتعلّق بالممكنات، وموته ونومه ونعاسه وتعبه وخلق صخرة يعجز عن حملها وما أشبه ذلك، من غير الممكنات.

فكل فعل فيه تنقص لقدرة الله فهو (من غير الممكنات) وكل فعل، سواء كان خيراً أو شرّاً، فيه إثبات لكمال قدرة الله تعالى فهو من الممكنات، ولكن الله تعالى لا يفعل الشرّ لأنه محرّم عنده.

ومثال ذلك: الظلم، فالله قادر على الظلم، ولكنه لا يظلم أحداً، لأنه حرّم الظلم على نفسه.

وكل صفة أثبتها الله تعالى لنفسه وفيها إثبات كمال قوة وقدرة الله تعالى فهي ثابتة لله تعالى، مثل: الكلام بصوت وسمع الأصوات ورؤية الصور والحركة والانتقال، والخلق والإبداع .. وغيرها من الصفات، فمع أن الله تعالى أثبتها لنفسه، فهي عقلاً تعتبر صفات كمال، فمن لا يستطع الكلام بصوت وسماع الأصوات ورؤية الصور والحركة والانتقال فهو عاجز، والعجز نقص في القوة والقدرة، والله يتعالى عن ذلك.

ولكن هناك صفات هي كمال من وجه ونقص من وجه أخر.

مثل: الأكل والشرب والجماع.

فالله تعالى نفاها عن نفسه، فهي كمال في البشر، ولكن هذه الصفات إنما خلقها الله تعالى للبشر لتكمل نقصاً  فيهم، خلقهم الله عليه، وإلا هلكوا.

والله لن يهلك إذا لم يأكل أو يشرب أو يتخذ زوجة، تكون له سكناً وتنجب له ولداً يكون له عوناً، فمع أن الله تعالى قادر على أن يفعل ذلك، لكنه لا يفعله، لأنه سبحانه يرى أنه لا يليق به ذلك.

والله أعلم وأحكم.