الخاتمة

من خلال ما سبق، من إثبات الشبه والكيف، بين صفات الله تعالى وصفات خلقه، يتبيّن لنا فساد بعض القواعد التي قعّد له مدّعو العلم والفقه، كقولهم: كل ما خطر ببالك، فالله بخلاف ذلك. فهذه القاعدة مخالفة لما ورد في الكتاب والسنة، من إثبات الشبه والكيف.

وكقولهم: تثبت صفات الله بلا تأويل ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تكييف. وهذه القاعدة، وإن كان النصف الأول منها حق، لأن مرادهم النهي عن التأويل، أي: التأويل الفاسد، لآيات وأحاديث الصفات، المخالف لظاهرها، وكذلك النهي عن تحريف معاني الآيات الواردة في صفات الله تعالى، عن معناها الذي تعرفه العر بمن كلامها، إلّا أن النصف الثاني من هذه القاعدة، باطل ولا شكّ، لمخالفة صريح الكتاب والسنة، في إثبات الشبه والكيف بين صفات الله تعالى وصفات خلقه.

والصواب في هذه القاعدة أن يقال: تثبت صفات الله تعالى بلا تحريف ولا تمثيل. أي: بلا تحريف لمعناها الذي تعرفه العرب من ظاهر كلامها، ولا تمثيل لصفات الله بصفات خلقه في كمالها وجلالها وجمالها وعظمتها وبهائها وسنائها.

هذا هو الحق الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده، بعيداً عن بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وإفك الأفاكين.

والله أعلم وأحكم.

ما هو الزمن؟ وهل يجري على الله زمان؟

التعريف العام للزمن، هو المدّة الواقعة بين حدثين.
والتعريف الخاص للزمن، هو ساعات الليل والنهار. أو المدّة التي تستغرقها الشمس لعمل دورة كاملة حول الأرض. أو المدة التي يستغرقها القمر لعمل دورة كاملة حول الأرض. أو المدة التي تستغرقها النجوم لعمل دورة كاملة حول الأرض. كل هذه تعاريف خاصة للزمن، كل تعريف يراد به ما يخصّه من المُدّة.
والزمن أصالة ليس بشيء، فلا يقال عنه مخلوق أو غير مخلوق، لأن الزمن هو عمل الآلات التي من خلالها يتم تحديد الزمن، فلا وجود للزمن في غياب هذه الآلات، والآلات مخلوقة، لذلك إذا قلنا بأن الزمن مخلوق، فإنما نريد بذلك، أن الآلات التي يتم من خلالها تحديد الزمن مخلوقة.
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ یَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج].
أي أن مقدار اليوم الواحد عند الله تعالى، يعادل ألف سنة من أيّامنا على الأرض.
وهذا فيه دلالة قطعيّة على أن الله تعالى يجري عليه الزمان، وليس الله تعالى في حاجة إلى الزمن أو مفتقر إليه، تعالى ربنا وتقدس، ولكنه كما أنه خلق الأمكنة واصطفى له منها مكاناً، فقد خلق الأزمنة وحدّ له منها زماناً، فهو يفعل ما يشاء، لأنه على كل شيء قدير.
وهذا اليوم الذي مقداره ألف سنة، هو الذي عناه ربنا تبارك وتعالى في قوله ﴿یُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْم كَانَ مِقْدَارُهُۥۤ أَلْفَ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة] فالملائكة تهبط إلى الأرض، وتعرج إلى الله تعالى في مكانه بخبر أهل الأرض، وليستأمروه، في يومه، الذي مدّته ألف سنة من أيّامنا.
فإذا ألغى الله سبحانه وتعالى الآلات التي من خلالها يتم تحديد الأزمان، صار الله تعالى وخلقه جميعاً في لا زمان. 
والله أعلم وأحكم.

بيان أن الله تعالى واحد في ذاته وإن تعددت صفاته

قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص]

فدلّت هذه الآية، على أنه مع تعدد صفات الله تعالى، إلا أنه شيء واحد في ذاته، فمع أن صفاته أجزاء وأبعاض في أسمائها وهيئاتها، إلا أنها شيء واحد، لأنه أحد في كل شيء، أحد في ذاته، أحد في كمال صفاته، أحد في ملكه، أحد في خلقه، أحد في أمره ونهيه، أحد في ربوبيته، أحد في ألوهيته، أحدُ في قوّته وقدرته.

والله أعلم وأحكم.


بيان معنى الحلول

الحلول في اللُغة، جمع حَلَّ، وهي تأتي على معنيين:

الأول: بمعنى نزل وهبط، كما تقول العرب: حلّ القوم بالدار، أي: نزلوا الدار وهبطوها وسكنوا بها.

والثاني: بمعنى ذاب وامتزج، كما تقول العرب: حلّ السكّر في الماء. أي: ذاب وامتزج.

فالله تعالى يحُل على العرش، ويحلّ على أي بقعة شاء من سماواته، ويحلّ على أي بقعة شاء من أرضه، ويحلّ حيث يشاء، بمعنى ينزل ويهبط، حتى يستقر على ما شاء من خلقه. وهذا ثابت شرعاً وغير ممتنعٍ عقلاً، لأن الله تعالى يفعل ما يشاء، فهو على كل شيء قدير، وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه، بل هو من صفات الكمال والجلال، أن يحلّ الله تعالى أي: ينزل ويهبط في أي موضع شاء.

ولكن الله تعالى وتقدس، لا يحلّ في الأشياء بمعنى أنه تعالى وتقدس يذوب فيها ويمتزج بها كما يذوب ويمتزج السكر بالماء، ولو أراد سبحانه وتعالى ذلك لفعله، لكمال قوته وقدرته، ولكن الله تنزّه عن ذلك، لأنه لا يليق به، فشأن الله تعالى أعظم من أن يحلّ في شيء من مخلوقاته، فإن كثيراً من مخلوقات الله تعالى تحتوي على أنواع من النجاسات الحسيّة، فكيف يحل الله فيها وحالتها كذلك، فهذا ممتنع عقلاً، يتعارض مع جلال الله وعظمته وكبرياءه، لذلك بان منهم وانفصل عنهم إلى أشرف الجهات، وهي جهة العلو.

والأدلة الشرعية جاءت بنفي هذا الحلول عن الله تعالى، بإثبات علو الله تعالى على عرشه، فوق ماءه وسماواته، وبينونته عن خلقه، وانفصاله عنهم، فمن خالف ما ورد في كتابه الله تعالى، فهو مكذّب بالقرآن الكريم، والمكذب بشيء من القرآن الكريم، بعد العِلم والبيان، خارج من دائرة الإسلام، مع أن هذه المسألة لا تطرأ على أحد، ولا يقول بها من له عقل صحيح وفطرة سليمة، إذ أن العقول الصحيحة والفِطَر السليمة، قد جُبِلت على أن الله تعالى بائن من خلقه منفصل عنهم.


ما ورد في أن من قدرة الله تعالى أن يوجد في أماكن عِدّة في وقت واحد

عن ‌عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى".

رواه البخاري ومسلم.

قوله: "قِبَل وجهه إذا صلّى". أي: مقابل لوجه المصلِّي، هذا هو معناها في لغة العرب، ليس لها معنى سوى ذلك. 

ويدل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: "فلا يبصق قبل وجهه". أي: أمامه، فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قبل وجه المصلّي" أي: أمام المصلّي.

وأما من زعم أن معنى ذلك، هو أن الله تعالى، فوق العبد إذا صلّى، فهذا تأويل باطل، ترده لغة العرب، وترده النصوص الشرعيّة.

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد. فأقبل على الناس فقال: "ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا" .. قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد ثوبه بعضه على بعض.

رواه مسلم.

وقوله: "أيحب أحدكم أن يستقبل فينتخع في وجهه". تشبيه للفعل بالفعل، ففيه دليل على أن من يبصق قبل القبلة وهو يصلّي، فإنما يبصق على الله تعالى، كما ينتخع الرجل في وجه الرجل وهو مستقبله، وإن لم يصل شيء من بصاقه إلى الله تعالى، لأن الله تعالى بقدرته يمنع أن يصل شيء من اذى الناس الفعلي له سبحانه، وهذا دليل أخر، على أن الله تعالى، ينزل حتى يكون بين المصلّي وبين قبلته بذاته المقدّسة، ويكون مستقبلاً للمصلّي.

وعن ‌أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه، حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه، أو، إن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه". ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: "أو يفعل هكذا".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم في الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه فيدفنها".

رواه البخاري.

فقوله: "فإن عن يمينه ملكا". دليل على أن النهي عن بصاق المصلي قبل وجهه، إنما المراد منه، أن الله تعالى أمام المصلي بذاته.

وإنما نهي المصلي عن البصاق عن يمينه، لأن على يمينه ملك يجب أن يُحترم.

وكذلك قوله: " ولكن عن يساره". وقوله: "وليبصق عن يساره". تدل دلالة صريحة على أن الله يكون أمام المصلي وبين المصلي وقبلته بذاته المقدّسة.

وفي ذلك كله، دليل على بطلان من زعم أن معنى قول النبي في الحديث الأول: "فإن الله قِبَل وجهه إذا صلّى". أي: أنه فوقه. لأن العبد إذا التفت يميناً فإن الله سوف يكون قِبَل وجهه، وإذا ألتفت يساراً، سوف يكون الله قِبًل وجهه أيضاً، وعلى هذا، فلا يجوز للمصلّي أن يبصق على يساره أيضاً، كون الله سوف يكون قِبل وجهه أيضاً، فثبت بهذا الحديث، بطلان ذاك التأويل الذي تأولوه.

وعن حذيفة بن اليمان، أظنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه .. " الحديث.

رواه أبو داود.

ومعنى الحديث، أن من تفل تجاه القبلة، فإنما يكون تجاه الله تعالى، فجازاه الله تعالى بأن ردّ عليه تفلته، ووضعها بين عينيه.

ولا يقال بأن النهي عن البصاق تجاه القبلة، تشريفاً للقبلة، التي هي الكعبة، لأن بينه وبينها مسافة بعيدة. 

ولا يقال بأن النهي ورد تشريفاً للجهة، لأنه لو كان كذلك، لنهي عن البصاق تجاه القبلة في الصلاة وفي غير الصلاة.

ولا يقال: بأن النهي ورد لأن العبد يناجي ربّه، دون مقابلة، لأن للعبد أن يبصق في غير الصلاة، وهو يناجي ربه، بدعاء أو قراءة أو نحوه، لأن النهي إنما ورد عن ذلك والعبد يصلّي، وإنما جرت عادة أهل التقى، أنهم لا يبصقون أمامهم وهم يناجون ربهم خارج الصلاة، سواء كانوا يدعون الله تعالى أو يقرأون القرآن، ولكن لم يرد نصّ شرعي بالنهي عن ذلك خارج الصلاة.

فثبت بذلك، أن النهي عن البصاق، ورد لأن العبد عندما يبصق، فإنما يبصق ناحية الله، الذي نزل ليكون بين عبده المصلِّي وبين قِبلته، لتكون صلاة العبد له.

قلت: فهذه أحاديث صحيحة صريحة، في أن الله تعالى يكون بين المُصلّي وقبلته، ليصلّي إليه، سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن الأرض لا تخلو من مصلّي، في كل زمان ومكان، ويصلي الألوف المؤلفة من الناس في زمن واحد، وفي أماكن متباعدة، فيكون الله تبارك وتعالى، أمام كلِّ مُصلٍّ وبين قبلته.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".

رواه البخاري ومسلم.

فهذا حديث صحيح صريح، في أن الله تعالى ينزل بذاته إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الأخر، ينادي عباده إلى الدعاء والاستغفار. 

ومن المعلوم أن وقت ثلث الليل الأخر، مستمر طول الوقت، لا يرتحل من أرض حتى يحلّ بأخرى.

فإذا كان الله تعالى بين كلِّ مصلٍّ وبين قبلته، وفي نفس الوقت نازل إلى السماء الدنيا عند من عندهم الوقت ثلث الليل الأخر، وهذا يعني استمرار نزوله إلى السماء الدنيا على مدار الوقت، ولكن يختلف الموضع الذي ينزل إليه من السماء الدنيا، بحسب اختلاف الزمن على الأرض، وفي نفس الوقت عال فوق سماوات، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، عند باقي مخلوقاته، ممن لا يصلّي وليس عندهم الوقت ثلث الليل الأخر، فإنه لا يمكن تأويل هذا إلا أن يقال: بأن الله تعالى يتواجد في أماكن عدّة في وقت واحد، بكيفيّة لا يعلمها إلّا هو سبحانه

ولعل هذا ما يفسّر لنا كيف أن الله تعالى في جهة العلو، مع أن هناك من يقول بأن الأرض كرويّة، فالجواب على ذلك: أنه لو صحّ أن الأرض كروية الشكل، فإن جهة العلو تكون جهة نسبيّة، فجهة العلوّ بالنسبة للكرة، هو كل ما كان فوق سطحها من أي جهة كانت، وأما أسفلها فهو في مركز باطنها، فلو انطلق أي شخص من أي ناحية من نواحي الأرض، إلى جهة العلوّ من قِبَله، واخترق السماوات السبع، لوصل إلى الله تعالى، وهو مستو على عرشه في وسط داره، تحفّ به ملائكته المسبحة بقدسه، فإن القادر على أن يجعل ذاته في أماكن عدة في وقت واحد، قادر على أن يجعل عرشه وداره في أماكن عدة وفي وقت واحد، لأن الله تعالى لا يعجزه شيء.

والله أعلم وأحكم.


ما ورد في أن الله تعالى جالس وقاعد على عرشه وأن العرش مكانه

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمّا خلق الله الخلق، كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي".
رواه البخاري ومسلم.
قلت: وهذا يصدّق الحديث، الذي رواه البخاري في تاريخه، عن جُبير بن مطعم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماواته".
قال: عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي رحمه الله قال: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد".
رواه عبدالله في كتاب السنّة.
وقال عبدالله بن حنبل حدثني أبي، نا وكيع، بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر رضي الله عنه قال: "إذا جلس الرب تعالى على الكرسي"، فاقشعر رجل، سماه أبي، عند وكيع، فغضب وكيع وقال أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث لا ينكرونها.
رواه عبدالله في كتاب السنة.
وعن الشعبي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: ﴿ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ﴾ [طه] فقال جالس. اهــ
رواه الحكم بن معبد في كتابه الرؤية، ونقله عنه الإمام الدشتي في كتابه إثبات الحد لله تعالى.
وإسناده صحيح، إلا أن الشعبي لم يسمع من عبدالله بن مسعود، ولكنه سمع كبار أصحابه، والشعبي ثقة ثبت.
وعن عباد بن منصور، قال: سألت الحسن وعكرمة، عن قوله ﴿ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ﴾ [طه] قالا جلس. اهـ
رواه الحكم بن معبد في كتابه الرؤية، ونقله عنه الإمام الدشتي في كتابه إثبات الحد لله تعالى.
وإسناده حسن.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: "الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل".
أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح.
وفي هذا الباب أحاديث كثيرة، ولكني اقتصرت على ما صحّ منها فقط.
والله تعالى استوى على عرشه جالسا وقاعدا من كمال غناه عن المكان وعن العرش وعن الجلوس والقعود عليه، فهو سبحانه وتعالى الغنيّ، إنما الله تعالى يفعل ما يشاء، لأنه على كل شيء قدير، فكما أنه خلق سائر المخلوقات مع كمال غناه عنها، فقد خلق العرش واصطفاه ليكون مكانا له، يجلس ويقعد عليه، مع كمال غناه عنه.
وقدرته على اتخاذ المكان، والجلوس والقعود، من دلائل كمال قدرته سبحانه وتعالى.
وقد يقول قائل: هل العرش يحوي الله تعالى وتقدس؟
والجواب: الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لأنه على كل شيء قدير، فقد يجمع ربنا تعالى ذاته على العرش، فيستوي عليه كلّه، والله تبارك وتعالى أعلم بما يليق به وما لا يليق به، فإن كان هذا هو الحال، فهو مما يليق بالله تعالى فعله، وقد لا يدنو من العرش منه سوى بعضه، فيستوي بعضه على العرش، ويكون بعضه متّصلا بالذات الكُلِّيَّة العِليّة. 
والله أعلم وأحكم

تأويل قوله تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه ٥]

استوى في لغة العرب ليس لها سوى معناً واحد لا ثالث له، وهو اعتدل. فاستوى واعتدل معنيان مترادفان.
قال الله تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیْنَ ٱلصَّدَفَیْنِ﴾ [الكهف] أي جعل ما بينهما معتدلاً، بعد أن غطّاه بالحديد.
وقال تعالى: ﴿قُلْ یَـٰۤأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَة سَوَاۤءِ بَیْنَنَا وَبَیْنَكُمْ﴾ [آل عمران] أَي عَدْلٍ.
لكن مدلول هذه الكلمة يتغير بتغير العوامل الداخلة عليها.
فإذا أضيفت إلى حرف "على" كان معناها الاعتدال في العلو والارتفاع.
وإذا أضيف هذا العلو إلى شيء، كان معناه الاعتدال في العلو والارتفاع على ذلك الشيء، وهذا لا يكون إلا بالاستقرار على الشيء الذي تمّ الاستواء عليه.
وقد يلزم من هذا الاعتدال الجلوس والقعود.
كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ [الأعراف]
وقوله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُۥا۟ عَلَىٰ ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف]
وقول عبدالله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً.
رواه النسائي.
وقد أورد النسائي هذا الحديث، للاحتجاج به على أن معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ أي جلس وقعد.
وقد لا يلزم منه الجلوس والقعود.
كقوله تعالى: ﴿وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِیِّ﴾ [هود]
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا ٱسْتَوَیْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ﴾ [المؤمنون]
وقوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّة فَٱسْتَوَىٰ﴾ [النجم]
أي اعتدل في علوه وارتفاع بالأفق الأعلى، قبل أن يدنو من النبي ويتدلى إليه، والمراد به هنا جبريل عليه السلام.
فالآيتين الأوليين تثبت الاعتدال في العلو والارتفاع والصعود والاستقرار، لأنه مضاف إلى شيء استوى عليه، وأما في الآية الثالثة، فلم يضف إلى شيء يستوي عليه، فكان معناه، الاعتدال في العلو والارتفاع، من غير استقرار.
وأما إذا أضيفت كلمة "استوى" إلى حرف "إلى" كان معناه الاعتدال في التوجه والقصد.
كقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ﴾ [البقرة]
وإذا أضيفت إلى حرف "في" كان معناه الاعتدال في التوسط على الشيء. كما ورد في الحديث "كان في عماء".
رواه الترمذي.
فإذا جردت من هذه الإضافات، رجعت إلى معناها الخالص وهو الاعتدال.
كقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسْتَوَىٰۤ﴾ [القصص] أي اعتدل في سنّه.
وقوله تعالى: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ﴾ [الفتح] أي اعتدل على سوقه.
وقال عبدالله بن عمر "أن النبي كانت إذا استوت به راحلته قائمة" .. الحديث. 
رواه البخاري.
أي اعتدلت في وقوفها.
واستوى الطعام، أي اعتدل في نضجه، فليس نيئاً ولا محترقاً.
واستوى الوجه، أي اعتدل الطريق إلى الوجهة.
واستوى القمر، أي اعتدل في اكتماله. 
واستوى زيد وعمر، أي تعادلا.
كل هذا معناه يرجع إلى الاعتدال.
فبعض الصحابة أو التابعين أو غيرهم من أئمة السنة وأهل اللغة، قد يختصرون المعنى.
فيسألهم السائل عن معنى قوله تعالى: ﴿ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ فيقولون علا. أو يقولون ارتفع. أو يقولون صعد. أو يقولون استقر. أو يقولون جلس. أو يقولون قعد. 
وإنما هذا اختصار لمعنى الآية وليس مرادهم أن هذا معنى كلمة "استوى".
وهكذا في باقي معاني استوى، إنما هو اختصار منهم للمعنى.
فكما قلنا استوى معناها "اعتدل".
وأما تأويل استوى باستولى أو بغلب وقهر، فهذا من وضع الوضّاعين، ولا تعرفه العرب في معنى كلمة استوى، لا عند العرب الفصحاء القدماء، ولا عند العرب المتأخرين.
فتبين لنا أن معنى قوله تعالى: ﴿ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ أي اعتدل في علوه وارتفاعه وصعوده واستقراره جالساً وقاعداً على العرش.

صفة العلو لله تعالى

والعلوّ صفة فعلية لله تعالى. 

قال تعالى: ﴿ذَ لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِیُّ ٱلْكَبِیرُ﴾ [لقمان]

والعلوّ، قد يراد به علو الذات، وقد يراد به علو السلطان والغلبة والقهر، وهي في هذه الآية، تشمل جميع تلك المعاني.

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلْحَكِیمُ ٱلْخَبِیرُ﴾ [الأنعام]

وقال تعالى: ﴿یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ﴾ [النحل]

والفوقيّة، قد يراد بها فوقيّة الذات، وقد يراد بها فوقية السلطان والغلبة والقهر، وهي في هذه الآيات تشمل جميع تلك المعاني.

وقال تعالى: ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِیعًاۚ إِلَیْهِ یَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرْفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِینَ یَمْكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَمَكْرُ أُولَـٰۤىِٕكَ هُوَ یَبُورُ﴾ [فاطر]

وقال تعالى: ﴿یُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْم كَانَ مِقْدَارُهُۥ أَلْفَ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة]

وقال تعالى: ﴿تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْم كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَة﴾ [المعارج]

والصعود والمعراج، لا يكون إلّا لمن كان عالياً بذاته.

وقال تعالى: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِیَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یُرْسِلَ عَلَیْكُمْ حَاصِبا فَسَتَعْلَمُونَ كَیْفَ نَذِیرِ﴾ [الملك]

والضمير في قوله ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ﴾ راجع إلى الله تعالى، فهو سبحانه الآمر الناهي.

قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِینَ مَكَرُوا ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلْأَرْضَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَیْثُ لَا یَشْعُرُونَ﴾ [النحل]

فبيّن سبحانه وتعالى، أنه هو من يخسف بعباده إذا شاء.

وقال تعالى: ﴿إِذْ قال: ٱللَّهُ یَـٰعِیسَىٰۤ إِنِّی مُتَوَفِّیكَ وَرَافِعُكَ إِلَیَّ﴾ [آل عمران]

وقوله ﴿وَرَافِعُكَ إِلَیَّ﴾ أي مدنيك منّي ومقربك إلي، فرفعه الله تعالى إلى السماء الثانية، كما ورد في حديث المعراج.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف]

وفي هذه الآية، تصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض.

ويصدّق ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمّا خلق الله الخلق، كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي".

رواه البخاري ومسلم.

فقوله "فهو عنده فوق العرش" أي عند الله تعالى فوق عرشه.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، في حديث مناسك الحج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات".

رواه مسلم.

وفي هذا الحديث، دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إلى الله تعالى إشارة حسيّة، أي أن الله تعالى في جهة العلو بذاته.

وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: "وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَظَّم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها، فقال لها "أين الله؟" قالت: في السماء، قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة".

وهذا حديث صحيح، رواه الأئمة الفحول، مالك في الموطأ، والشافعي في الرسالة، وأحمد في المسند، ومسلم في صحيحه.

إلّا أن مالكاً أخطأ في اسم معاوية، فأسماه عمر، وبيّن الأئمة خطأ الإمام مالك في ذلك.

وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلّم للجارية لمّا أقرّت بأن ربّها في السماء، أي: في جهة العلو، بالإيمان.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تأمنوني وأنا أمين مَنْ في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله "وأنا أمين من في السماء" أي أمين الله تعالى، الذي أأتمنه على أداء ما بعثه به من الحق.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قال: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا؟ فيقول فلان، فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تبارك وتعالى" .. الحديث.

رواه ابن ماجه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه، فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها".

رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنها قال في خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين زينب بنت جحش: "فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات".

رواه البخاري.

وعن حسان بن ثابت رضي الله عنه، أنه أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:

شـــهـــدت  بإذن  الله  أن  مـــحــــمــــداً    رسول الذي فوق السماوات من علِ

رواه ابن أبي شيبة في مصنفة، وهو موجود في ديوانه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لسعد بن معاذ رضي الله عنه، عندما حكم في اليهود: "حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات".

رواه النسائي في الكبرى.

وفي حديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم و ليلة; فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا" .. الحديث.

رواه البخاري ومسلم.

وفي حديث الملائكة السياحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا تفرقوا عرجوا أو صعدوا إلى السماء فيسألهم الله تعالى وهو أعلم من أين جئتم؟" .. الحديث.

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا طيب، فإنها يتقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل".

رواه البخاري.

كل هذا الأحاديث، فيها التصريح، بأن الله تعالى عالٍ بذاته، فوق سماواته، وأنه يُنْزل من عنده، ويُصْعد إليه.

ولكمال قدرته سبحانه وتعالى، فهو قادر على أن يحلّ ويتحد في مخلوقاته، ولكنه تنزّه عن ذلك، لأن ذلك لا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، لذلك بان من خلقه، وانفصل عنهم، إلى أشرف الجهات، وهي جهة العلو.

والله أعلم وأحكم.


رؤية الله يوم القيامة

قال تعالى: ﴿لِّلَّذِینَ أَحْسَنُوا ٱلْحُسْنَىٰ وَزِیَادَة﴾ [يونس].
عن صهيب الرومي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تعالى". 
وفي رواية، وزاد ثم تلا هذه الآية: ﴿لِّلَّذِینَ أَحْسَنُوا ٱلْحُسْنَىٰ وَزِیَادَة﴾
وقال تعالى: ﴿وُجُوه یَوْمَىِٕذ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة﴾ [القيامة].
روى البخاري في صحيحه، في تأويل هذه الآية، عن ‌جرير بن عبد الله قال: "كنا جلوسا ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
وقوله "لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" يريد صلاة الفجر وصلاة العصر.
وروى البخاري أيضاً عن أبي سعيد الخُدْري قال: أن أناسا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم نعم، هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة ضوء ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، قال: النبي صلى الله عليه وسلم ما تضارون في رؤية الله تعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما.
ورواهما مسلمٌ أيضاً.
فهذه أحاديث صحيحة عظيمة جليلة القدر، فيها فوائد عظيمة جليلة، ففي هذا الحديث
تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيتنا لربنا يوم القيامة، برؤية الشمس والقمر، ليس بيننا وبينهما سحاب.
وأن هذا التشبيه يفيد، أن الله تعالى له صورة حقيقيّة يراه عباده من خلالها، وأننا سوف نراه بمقابلة، وهو في جهة وحيّز، وبيننا وبينه مسافة.
والله أعلم وأحكم.

ثبوت صفة الصورة لله تعالى

اعلم أن ما ورد من الأحاديث والآثار، في أن صورة الإنسان على صورة الله تعالى، وأن الله يرى في المنام في صورة شاب أمرد، وأن الله تعالى يرى يوم القيامة، كلها أدلة تثبت أن لله تعالى صورة يرى من خلالها.

وهو سبحانه لكمال قوته وقدرته، يتجلى في الصورة التي يريدها ويختارها، فليس هو مقيّد في صورة واحدة لا ينفك منها، وأن العباد سوف يرون صورته يوم القيامة، كما يرون الشمس والقمر، بأعين رؤوسهم، وبينهم وبينه مسافة، وبمقابلة، وهو في جهة وحيِّز.

وأنه يتجلى يوم القيامة لعباده في ثلاث صور: صورة يراه فيها جميع الخلائق عند الحساب، وصورة يراه فيها المسلمون والمنافقون فقط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيتبعونه" .. الحديث

فقوله: " فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون". دليل على أن الله تعالى، قد تجلى لعباده سابقاً في صورة عرفوه بها، فدلّ هذا الحديث، على أن الله تعالى، يتجلى لعباده في الموقف، في صورة يراه فيها جميع الخلائق، مسلمهم وكافرهم، إنسهم وجنّهم، ثم بعد الحساب، يختفي عنهم، ثم يتجلى في صورة أخرى غير الصورة التي رأوه فيها أول مرة، للمسلمين والمنافقين. 

ثم يتجلى سبحانه في صورة، وهي أكمل صوره، للمؤمنون في الجنّة، إن شاء الله تعالى، كما وردت بذلك أحاديث الرؤية.

وبناء على ما سبق، من الآيات والأحاديث في إثبات صفات الله تعالى، فإن الله تعالى، قد جعل لصورته التي اختارها لذاته، وجه، وعينان، ويدان، وأصابع، وحقو، وقدمان.

والله أعلم وأحكم. 


حديث الشاب الأمر

عن قتادة بن دعامة عن عكرمة عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "أن محمدًا رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه، أو قال: رجليه في خضرة". 
وفي رواية "رأيت ربي جعدًا أمرد عليه حلة خضراء".
وفي رواية "رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء".
وفي رواية عن ابن عباس أنه قال: "حلّة حمراء" بدل "خضراء" وهذا وهم من الراوي.
وقد روي حديث ابن عباس أيضاً بزيادة باطلة، فقد روى ابن بطّة في الإبانة، أن عبد الله بن عمر: أنه بعث إلى عبد الله بن عباس يسأله هل رأى محمد ربه تبارك وتعالى؟ فبعث إليه: أن نعم قد رآه، فرد عليه رسوله فقال: كيف رآه؟ قال: فقال رآه على كرسي من ذهب، تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب". اهـ
فقوله: "تحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة أسد، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر" زيادة موضوعة ليست من اصل الحديث، وهي زيادة باطلة.
وروي عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبيِّ بن كعب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رَأَيْتُ رَبِّي فِي المنام في صورة شاب مُوَقّرٍ فِي خَضِرٍ، عليه نَعْلانِ من ذهب، وَعَلَى وجهه فراش مِنْ ذهب". 
وفي رواية "يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في صورة شاب موفر في خضر على فراش من ذهب في رجليه نعلان من ذهب". 
وفي رواية "أنه رأى ربه تعالى في النوم في صورة شاب ذي وفرة، قدماه في الخضرة، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب".
قال أبو يعلى الفراء رحمه الله: "اعلم أن الكلام في هذه الأخبار في فصلين: أحدهما: في طرقها، والثاني: في ألفاظها أما طرقها: فإن كلام أحمد في ذلك مختلف. فروى المروذي قال حدثني عبد الصمد بن يحيى الدهقان قال سمعت شاذان يقول: أرسلت إلى أبي عبد الله أستأذنه في أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس "رأيت ربي" فقال: حدث به فقد حدث به العلماء، فقلت: إنهم يقولون ما رواه غير شاذان قال: بلى قد كتبته عن عفان عن رجل عن حماد بن سلمة. وهذا من أحمد تصحيح لحديث ابن عباس وتثبيت له. وذكر أبو بكر الأثرم في كتاب العلل: سألت أحمد عن حديث عبد الرحمن بن عايش الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي في أحسن صورة" فقال يضطرب في إسناده، لأن معمرا روى عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يوسف بن عطية عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه عبد الرحمن بن زيد عن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يزيد بن يزيد بن جابر عن خالد بن اللجلاج عن عبد الرحمن بن عايش عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه يحيى بن أبي كثير فقال عن ابن عباس عن مالك بن يخامر عن معاذ ابن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأصل الحديث واحد، وقد اضطربوا فيه. وظاهر هذا الكلام من أحمد التوقف في طريقه لأجل الاختلاف فيه، ولكن ليس هذا الكلام مما يوجب تضعيف الحديث على طريقة الفقهاء". اهـ ورأيت في مسائل مهنا بن يحيى الشامي قال: سألته يعني أحمد عن حديث رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب أنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه في المنام في صورة شاب موفر رجلاه في خضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب" فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر، وقال: لا نعرف هذا رجل مجهول يعني مروان بن عثمان. فظاهر هذا التضعيف من أحمد لحديث أم الطفيل. ورأيته بخط أبي بكر الكشي قال عبد العزيز سمعت الخلال يقول: إنما نروي هذا الحديث وإن كان في إسناده شيء، تصحيحا لغيره ولأن الجهمية تنكره. ورأيت بخط ابن حبيب جوابات مسائل لأبي بكر عبد العزيز قال: حديث أم الطفيل فيه وهاء، ونحن قائلون به، وظاهر رواية إبراهيم ابن هانئ تدل على صحته، لأن أحمد قال لأحمد بن عيسى في منزل عمه: حدثهم به، ولا يجوز أن يأمره أن يحدثهم بحديث يعتقد ضعفه، لا سيما فيما يتعلق بالصفات. وقد صححه أبو زرعة الدمشقي فيما سمعناه من أبي محمد الخلال وأبي طالب بن العشاري وأبي بكر بن بشران عن علي بن عمر الحافظ فيما خرجه في آخر "كتاب الرؤية" قال نا محمد بن إسماعيل الفارسي قال نا أبو زرعة الدمشقي قال: نا أحمد بن صالح قال نا ابن وهب أخبره أن مروان بن عثمان أخبره عن عمارة بن عامر عن أم الفيل امرأة أبي بن كعب أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يذكر أنه رأى ربه عز وجل في النوم في صورة شاب ذي وفرة قدماه في أخضر عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب". قال أبو زرعة: كل هؤلاء لهم أنساب قوية بالمدينة، فأما مروان بن عثمان فهو مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وأما عمارة فهو ابن عامر ابن عمرو بن حزم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرو بن الحرث وسعيد بن أبي هلال فلا يشك فيهما، وحسبك بعبد الله بن وهب محدثا في دينه وفضله. وظاهر الكلام من أبي زرعة إثباتا لرجال حديث أم الطفيل، وتعريفا لهم وبيانا عن عدالتهم، وهو ظاهر ما عليه أصحابنا، لأن أبا بكر الخلال ذكر حديث أم الطفيل في "سننه" ولم يتعرض للطعن عليه. وأخرج إلى أبو إسحق البرمكي جزءا فيه حكايات عن أبي الحسن ابن بشار رواية أبيه أبي حفص عن أبيه أحمد بن إبراهيم قال: سألت الشيخ يعني أبا الحسن بن بشار عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤيا، فقال: صحيح، فعارض رجل، فقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت، فقال له الشيخ: فيدرس الإسلام، فسكت. فقد حكم بصحة الحديث، وقد يجوز أنه لم يقع لأحمد معرفة مروان بن عثمان في حال ما سأله مهنا، ثم وقع له معرفة نسبه فيما بعد. وكتب إلي أبو القسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني بجزء فيه حديث ابن عباس في الرؤية من طرق، وكلام أصحاب الحديث عليه .. قال: وأبلغت أن الطبراني قال: حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية صحيح، وقال: من زعم أني رجعت عن هذا الحديث بعد ما حدثت به فقد كذب، وهذا حديث رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من التابعين عن ابن عباس، وجماعة من تابعي التابعين عن عكرمة، وجماعة من الثقات عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أسماءهم بطولها. وأنا محمد بن عبيد الله الأنصاري قال سمعت أبا الحسن عبيد الله بن محمد بن معدان يقول سمعت سليمان بن أحمد يقول سمعت ابن صدقة الحافظ يقول: من لم يؤمن بحديث عكرمة فهو زنديق. وأنا محمد بن سليمان قال سمعت بندار بن أبي إسحق يقول سمعت علي بن محمد بن إبان يقول سمعت البرذعي يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: من أنكر حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي عز وجل" فهو معتزلي. وسمعت علي بن أحمد بن مهران المديني قال حضرت أبا عبد الله ابن مهدي وحضر عند جماعة فتذاكروا حديث عكرمة، وأنكره بعضهم، وكنت قد حفظته فحدثت به بطوله، فقام إلي أبو عبد الله وقبل رأسي ودعا لي. ونا محمد بن محمد بن الحسن قال نا أحمد بن محمد الملحمي قال سمعت محمد بن علي بن جعفر البغدادي قال سمعت أحمد بن محمد بن هاني الأثرم يقول: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي" الحديث. فقال أحمد بن حنبل هذا حديث رواه الكبر عن الكبر عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن شك في ذلك، أو في شيء منه فهو جهمي لا تقبل شهادته، ولا يسلم عليه، ولا يعاد في مرضه. وأنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن إسحاق قال نا محمد بن يعقوب قال نا أحمد بن محمد قال نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبي يصحح هذه الأحاديث ويذهب إليها، وجمعها وحدثناها. وروى بإسناده عن عبد الوهاب الوراق قال: سمعت أسود بن سالم يقول في هذه الأحاديث التي جاءت في الرؤية قال: نحلف عليها بالطلاق والعتاق أنها حق. فهذا الكلام في طريقها". اهـ
قلت: وقول أبي زرعة في مروان بن عثمان، يدل على أن العلّة التي أعلّ بها الإمام أحمد حديث أم الطفيل، قد انتفت، فالحديث صحيح.
فتبيّن بذلك أن حديث الرؤية، صحّحه أئمة السنة، وقبلوه، وحدّثوا به، وأمروا بالتحديث به، ولم يرده أو يستنكره أو يكذّب به، إلا من لا يعتدّ بقوله من أهل الأهواء، من أمثال ابن الجوزي والذهبي والسبكي.
وقد أكّد أئمة السنة على أن هذه رؤيا منام وليست على الواقع، لأن الله تعالى لا يمكن أن يراه أحد في هذه الحياة الدنيا يقظة، كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وأما في المنام، فقد وردت السنة بأن الله تعالى يرى في المنام. 
وإذا كانت الشياطين لا تستطيع التمثّل في صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأحرى أنها لا تستطيع أن تأتي النائم في نومه وتدعي أنها الله عز وجل.
وهل ما يراه النائم هو الله بذاته المقدّسة أم أنه مجرّد خيال ومثال؟
والجواب: لا يعقل أن يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول، بأن ما رآه في منامه هو الله، ثم يريد بذلك الخيال أو المثال، فالأدلة من السنّة، تدل على أن من رأى الله تعالى في المنام، فقد رأى الله تعالى بذاته المقدّسة، وهذا يدل، على أن الله تعالى قد أعطى عباده القدرة على رؤيته بأعين قلوبهم، دون أعين ابصارهم، فإن أعين أبصارهم لا تطيق ذلك، ولذلك قال ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه مرتين، رواه مسلم.
والله أعلم وأحكم.

صورة الإنسان على صورة الله تبارك وتعالى

والتجلي في صورة صفة ذاتية فعلية لله تعالى. 
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا".
رواه البخاري.
فقوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى، أي على صورة الله تعالى.
وأما الهاء في قوله "طوله" فعائدة إلى آدم.
وقال بعض المتفقِّهة: أن قوله "على صورته" كقوله "طوله" الهاء فيهما جميعا عائد إلى آدم عليه السلام!
والسؤال هنا أي صورة كانت لآدم حتى يخلقه الله عليها؟! هل كان لآدم عليه السلام، صورة قبل أن يخلقه الله تعالى! والجواب أنه لم يكن له صورة قبل أن يُخلق حتى يُخلق عليها، إذا فقولهم هذا غير صحيح، فقد تبيّن أن الهاء في قوله: "على صورته" عائد على صورة الله تعالى.
فإن قيل: إنما المراد على صورته التي خلقه عليها حين خلقه!
فالجواب ما الحاجة إلى التنبيه على ذلك، إن كان الناس جميعا يعلمون أن الله خلقه على صورته التي خلقه عليها! أكان الناس يظنون أن الله لم يخلقه على صورته التي خلقه عليها! 
وإنما مراد النبي من ذلك أن ينبه على أن الله خلق آدم على صورته سبحانه، ثم أراد أن يبين أن طول آدم عندما خلقه الله تعالى كان ستون ذراعاً.
ولو عرضت هذا الحديث على أعرابي في البادية، أو صبي في الكتاب، لم يزد على ما قلناه لك، وإنما نزل القرآن والسنة بلغة العرب.
فتبين بذلك، أن الله تعالى خلق آدم على صورته سبحانه وتعالى، وأن صورة آدم وإن شابهت صورة الله تعالى في مظهرها، إلا أنها لا تماثلها، وتختلف عنها في كنهها، وفي كمالها وعظمتها وجمالها وجلالها وبهائها وسنائها، فلا يماثل الله تبارك وتعالى شيء من خلقه في ذلك.
ويشهد لذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال.
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور".
رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم "ما بعث نبي إلا وأنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وإن بين عينيه مكتوب كافر".
رواه البخاري ومسلم.
وعن عبادة بن الصامت أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم ربكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا".
رواه أحمد وأبو داود بسند جيّد.
فتبين من خلال هذه الأحاديث، أن هناك شبهاً بين صورة الدجال، وهو بشر، من بني آدم عليه السلام، وبين صورة الله تعالى، في المظهر، فالله له عينان، بينما الدجّال له عينان أيضاً، ولذلك جعل النبي العلامة الفارقة البيّنة بين الله تعالى والدجّال، هو كون الدجال أعور، والله تعالى ليس بأعور، فلو كان الدجال هو الله، لما كان ناقصاً في صورته.
بل قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة "فإن ألبس عليكم" والالتباس عادة لا يقع إلا فيما اشتبه على الناس أمره.
فلو كان الله بلا صورة، أو أن صورة بني آدم لا تشبه صورة الله تعالى الظاهرية، لما نبه على أن الله ليس بأعور، وأنه لا يمكن رؤية الله إلا بعد الموت، بل لقال بأن صورة الله لا تشبه صورة بني آدم أساساً، أو لقال بأن الله تعالى بلا صورة.
فأحاديث الدجال، تتضمن الدليل على أن لله تبارك وتعالى صورة، ولصورته حدّ وغاية يدركها هو من نفسه، وأن صور بني آدم تشبه صورته، وأن الله يرى بالأعين، وهو في جهة وحيّز.
وأن الاختلاف إنما يقع في المماثلة، لقوله تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلْبَصِیرُ﴾ [الشورى]
فالله تعالى لم يقل (ليس كشبهه شيء) لو قال: ذلك، لانتفى أن يكون مشابهاً لخلقه في أي شيء، لكنه لم ينفي الشبه، بل أثبته في كتابه في مواضع، ولكنه نفى المماثلة، وبين الشبه والمثل فرق في اللغة.
ومما يشهد لذلك أيضاً، ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة، رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يَقُلْ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
وقد روي هذا الحديث بمتون مبتورة، وهذا عادة يقع من أوهام الرواة.
ففي رواية أنه قال: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ لِأَحَدٍ قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهًا أَشْبَهَ وَجْهَكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
فلم يذكر هنا النهي عن ضرب الوجه.
وفي رواية أخرى أنه قال: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَليَجْتَنِبِ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".
ولم يذكر هنا النهي عن التقبيح.
وكذلك روي هذا الخبر بزيادات أخرى.
فقد روي عن عطاء ورفعه إلى النبي أنه قال: " فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ خُلِقَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ"
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن ابن الأعرج مرفوعا، أنه قال: " فَإِنَّ صُورَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ تعالى".
رواه الدارقطني في كتاب الصفات.
وفي رواية أخرى عن ابن لهيعة عن أبي يونس مرفوعا أنه قال: "فَإِنَّ صُورَةَ وَجْهِ الْإِنْسَانِ عَلَى صُورَةِ وَجْهِ الرَّحْمَنِ".
رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة.
وهذه الزيادات، أظنها من الرواة، كمحاولة منهم لبيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "على صورته".
فبإجماع أئمة أهل السنة المتقدمين أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى صورة الله تعالى، لم يخالفهم في ذلك إلّا من لا يؤبه به.
وكان أول من أنكر أن تكون الهاء عائدة على صورة الله تعالى من أهل الحديث، هو محمد بن خزيمة.
فزعم أن الهاء في قوله "على صورته" عائد إلى المضروب، أي أن الله تعالى خلق آدم على صورة هذا المضروب.
وهذا باطل، وإلّا لماذا خصّص آدم في الحديث بكونه سببا في النهي عن الضرب والتقبيح من دون سائر الأنبياء، وفيهم الخمسة أولي العزم، وفيهم محمد بن عبدالله سيد الأنبياء والأولين والأخرين؟! 
أكان ابن خزيمة يعتقد أنه لو لم يكن هناك آدم، لجاز أن يضرب الوجه أو يقال قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك! دام أن العلة عنده، هي مشابهة وجه المضروب بوجه النبي آدم!
فماذا عن نبينا محمد دام أن العلة في النهي عن الضرب والتقبيح هي مشابهة وجه المضروب والمقبّح لوجه نبي! 
فدل هذا على أن النهي عن ضرب الوجه وعن تقبيحه، يؤدي إلى ما هو أعظم من أن تشمل في ضربك أو شتمك وجه نبي، وإلا لقال النبي "فإن الله خلق الأنبياء على صورته" أو "على صورة المضروب".
والأحاديث التي في أسانيدها ضعف، قد تكون أحياناً وسيلة وحجة في معرفة معنى غامض في حديث صحيح، فهذا أولى من الأخذ بآراء الرجال، كما قال: أحمد وسفيان أن الحديث الضعيف ضعفا يسيرا خير من أراء الرجال.
فالهاء في قوله "على صورته" عائد إلى الله تعالى.
وقال: أبو بكر المقرئ في مجالس أبي العباس أحمد بن يحيى الشهير بثعلب: في الخبر لا تقبحوا الوجه؛ فإن الله تعالى خلق آدم على صورته. قال: أبو العباس الهاء راجعة على صورة الله التي اختارها والكون الذي جعله فيه. انتهى كلام المقرئ.
قلت: والصواب في هذا هو أول حديث رويناه، وهو أن النهي عن ضرب الوجه، حكم مستقلّ لا علاقة له بكون صورة الإنسان تشبه صورة الرحمن، وأن النهي عن تقبيح الوجه، هو المراد، لأن الشخص إذا قال: لشخص، قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، شمل التقبيح وجه الله تعالى وتقدس، لأن صورة وجوه بني آدم تشبه صورة وجه الله تعالى، ولكنها لا تماثلها.
بل الأحاديث تدل على أن صورة الإنسان – وليس صورة الوجه وحسب تشبه صورة الله، ولكنها لا تماثلها، أي لا تشبهها في كل شيء، وإنما تشبهها في المظهر العام، وأما التفاصيل فلا شك أنه لا شيء يماثل الله تعالى في كنه صورته وفي كمالها وعظمتها وجلالها وجمالها وبهائها وسنائها. فهو المتفرد بذلك سبحانه.
فإن قال قائل: لكن لماذا اختص ذكر الوجه في الأحاديث دون سائر أعضاء الإنسان؟ 
فالجواب أن العرب تقول "قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك" ولكن لم يكن من سننها أن تقول "قبح الله يدك ويد من أشبهت يدك" أو قدمك أو عينك أو غير ذلك. فجاء النهي، في الباب الذي اعتادت العرب المشاتمة فيه.
فكل هذه الأدلة تدل على أن صورة الإنسان على صورة الله تعالى، بل إن مما يثبت ذلك ويؤكده، حديث تكفؤ الله تعالى للأرض يوم القيامة، حيث شبه وكيّف النبي صلى الله عليه وسلم تكفأ الله تعالى للأرض، بتكفؤ أحدنا لخبزته، وهذا لا يكون إلا إذا كانت صورة الإنسان على صورة الله تعالى. 
ولعل سائلا يقول أوليس هذا تشبيه؟ وماذا عمّا نقل عن أئمة السنة في ذم المشبهة!
والجواب هذا ليس تشبيهاً بالمعنى الذي نهى عنه أئمة السنة، فأئمة السنة هم أول من أثبت التشابه بين صفات الله وصفات بني آدم بإثباتهم صفات الله تعالى.
وإنما مراد أئمة السنة في النهي عن التشبيه وذم المشبهة، أي أن تشبه صفات الله بصفات بني آدم، بما فيها من كمال أو نقص، كما فعل اليهود والنصارى من قبل.
وكذلك النهي عن تشبيه الله، بحيث تعطى كنهاً معيناً، كمن يزعم أن ذات الله من نور، وإنما النور منبعث من ذاته، وأما ذاته فلا يعرف حقيقتها إلا هو سبحانه.
وقال بعضهم، إنما أراد في الأحاديث إثبات أن لله تعالى صورة، كما أن لبني آدم صورة، ولا يعني هذا أن صورة بني آدم على صورة الله تعالى، والدليل على ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره: "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة".
والجواب على ذلك: أن الحديث ليس حجة في ذلك، فمعنى الحديث في واد، واحتجاجكم في وادٍ أخر، فالعرب تقول صورة فلان على صورة القمر، أو يقولون وجهه كقطعة قمر، أو يقولون وجهه كالقمر بدراً، لا يريدون بذلك التدليل على أن لفلان صورة كما أن للقمر صورة! وإنما مرادهم أنه يشبه القمر في وضاءته وحسنه فقط! فهل يعقل أن نقول بأن معنى حديث "فإن الله خلق آدم على صورته". أو قوله "فإن الله خلق آدم على صورته". هو أن آدم وبنيه يشبهون صورة الله في وضاءتها وحسنها؟! هذا باطل من القول وزورا، وقائل ذلك، قد مثّل صورة آدم وبنيه بصورة الله تعالى، وهذا هو معنى أن تجعل لله نداً، فوقعتم في المحظور، من حيث لا تشعرون أو تشعرون، فلو أنكم سلّمتم بالحق الذي جاءت به الأحاديث، وأقررتم بوقوع الشبه بين صفات الله تعالى وصفات بني آدم، ونفيتم ما نفاه الله تعالى من وقوع المماثلة بين صفاته وصفات خلقه، ما جركم هذا إلى مثل هذه الحجج الخاطئة، والمبتدع الزائغ عن الحق، لا يفر من الحق إلا ووقع في شرّ مما زعم أنه يريد الفرار منه، شعر بذلك أو لم يشعر.
والسؤال هنا هل الله تعالى صوّر جميع ذاته، أم بعضها؟
والجواب: لا أعلم، ولا أحد يعلم، فقد يكون الله تعالى صوّر جميع ذاته، وكوّنها في كون واحد. وقد يكون الله تبارك وتعالى صوّر بعضاً من هذه الذات، وبقي الجزء الأعظم لم يصوّر، فما بقي لم يصوّر، ليس له صورة، ويكون هذا الجزء المصوّر، هو الذي استقر على العرش، وهو الذي يراه الناس يوم القيامة، ويراه أهل الجنّة في الجنّة، وأما باقيه فلا يدركه أحدٌ من خلقه، ولا شك أن لجميع ذاته حدودٌ تنتهي إليها، إلّا أن الله تعالى، هو أعلم بحدّ ذاته وأبعادها.
إن أصبت فمن توفيق الله وهدايته، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله وأتوب إليه.
ونسأل الله العظيم، بمنّه وكرمه ألّا يحرمنا النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم وأحكم.

صفة التعجب لله تعالى

وهي صفة ذاتية فعليّة لله تعالى.

قال تعالى: ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَب قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَ ٰبًا أَءِنَّا لَفِی خَلْق جَدِیدٍ ..﴾ [الرعد ٥]

عن قتادة بن دعامة قال في تأويل هذه الآية: إن عجبت يا محمد .. عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.

رواه الطبري وابن أبي حاتم.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة".

رواه أحمد وغيره.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل".

رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم -أو يضيف- هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعالكما. فأنزل الله: ﴿..  وَیُؤْثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر ٩]

رواه البخاري  ومسلم.

قلت: فصفة التعجّب، صفة ثابتة لله تعالى، وهو التعجب بالمعنى الذي نعرفه، ويتبادر إلى أذهاننا، هذا هو معنى التعجّب في لغة العرب الأمّيّين، الفارق بين تعجّب الله تعالى وتعجّب خلقه، أن تعجّب الله تعالى، يقع عن عِلمٍ سابق، بما سوف يقع من الـمُتعجّب منه، بينما تعجّب الخلق يقع عن جهل سابق بما سوف يقع من المُتعجَّب منه، ومن زعم غير ذلك لزمه الدليل ولا دليل.

والله أعلم وأحكم.


صفة المكر والكيد لله تعالى

هاتان الصفتان، صفتان فعليّتان ثابتتان لله تعالى بنصّ القرآن.
ولكن لا يوصف الله تبارك وتعالى بها مطلقاً، بل يوصف بها مقيدة.
فلا يقال الله ماكر أو كائد.
بل يقال يمكر بمن يمكر بدينه وأوليائه. ويكيد بمن يكيد بدينه وأوليائه.
وهذا لكمال قدرته سبحانه وتعالى.
وكون الشخص ماكر وكائد هذه صفة نقص.
أما من يمكر بمن يمكر به، ويكيد بمن يكيد به، فهذه صفة كمال.
لأنه في هذه الحالة، لا يكون مغفّلاً، بل فطناً ذكيّاً. يجازي الماكر والكائد بمكره وكيده.
قال تعالى: ﴿وَمَكَرُوا۟ وَمَكَرَ ٱللَّهُوَٱللَّهُ خَیْرُ ٱلْمَـٰكِرِینَ﴾ [آل عمران]
وقال تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا۟ مَكْرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ﴾ [الأعراف]
وقال تعالى: ﴿وَإِذَاۤ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَة مِّن بَعْدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْر فِیۤ ءَایَاتِنَاۚ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًاۚ إِنَّ رُسُلَنَا یَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ﴾ [يونس]
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِینَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِیعا یَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس وَسَیَعْلَمُ ٱلْكُفَّـٰرُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ﴾ [الرعد]
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا۟ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ [إبراهيم]
وقال تعالى: ﴿وَأُمْلِی لَهُمْۚ إِنَّ كَیْدِی مَتِینٌ﴾ [الأعراف]
وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ یَكِیدُونَ كَیْدا وَأَكِیدُ كَیْدا فَمَهِّلِ ٱلْكَـٰفِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْدَا﴾ [الطارق]
والله أعلم وأحكم.

صفة الرضى والكره لله تعالى

والرضى والغضب صفتان ذاتيتان فعليتان لله تعالى.
قال تعالى: ﴿قّاَلَ ٱللَّهُ هَـٰذَا یَوْمُ یَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِینَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّـٰت تَجْرِی مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدا رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِیمُ﴾ [المائدة]
وقال تعالى: ﴿وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَـٰجِرِینَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـٰن رَّضِیَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـٰت تَجْرِی تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدا ذَ ٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِیمُ﴾ [التوبة]
وقال تعالى: ﴿لَّقَدْ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیْهِمْ وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحَا قَرِیبا﴾ [الفتح]
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال. وفي رواية مثله، غير أنه قال: ويسخط لكم ثلاثا، ولم يذكر ولا تفرقوا".
رواه مسلم.
والرضى والكره شعور يشعر الله تعالى به، شعور يصدر من نفسه، ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالرضى والكره، فإن الخلق، يشعرون بذلك في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بذلك.
ومع أن الله سبحانه وتعالى يرضى، إلا أن رضاه لا يناله إلا من يستحقه، ومع أنه يكره، إلا أنه لا يكره إلا الكفّار وذوي الشرّ والفساد، وذلك لكمال قدرته على التحكم في مشاعره.
والله أعلم وأحكم.

صفة الغضب لله تعالى

والغضب صفة ذاتية فعلية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿وَمَن یُوَلِّهِمْ یَوْمَىِٕذ دُبُرَهُۥۤ إِلَّا مُتَحَرِّفا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَیِّزًا إِلَىٰ فِئَة فَقَدْ بَاۤءَ بِغَضَب مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُوَبِئْسَ ٱلْمَصِیرُ﴾ [الأنفال]
وقال تعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَىِٕنُّ بِٱلْإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرا فَعَلَیْهِمْ غَضَب مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیم﴾ [النحل]
وقال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیْهِمْ قَدْ یَىِٕسُوا مِنَ ٱلْـَٔاخِرَةِ كَمَا یَىِٕسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ﴾ [الممتحنة]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب أو غلبت غضبي".
رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في حديث الشفاعة الطويل "إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله".
رواه البخاري ومسلم.
والغضب شعور يشعر الله تعالى به، شعور يصدر من نفسه، ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالغضب، فإن الخلق، يشعرون بالغضب في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بذلك.
ومع أن الله تعالى يغضب، إلّا أن غضبه لا يقع إلّا على من يستحقه، لأنه سبحانه هو من يتحكم في انفعالاته النفسية ولا تتحكم به، وذلك لكمال قدرته.
والله أعلم وأحكم.

صفة الرحمة لله تعالى

 قال تعالى: ﴿ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ﴾ [الفاتحة]
وقال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ ٱلْغَنِیُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ﴾ [الأنعام]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب أو غلبت غضبي".
رواه البخاري ومسلم.
والرحمن صفة ذاتية، والألف والنون للمبالغة والإشباع، أي: الذي كملت فيه صفة الرحمة. والرحيم، صفة فعليّة، أي الذي تظهر الرحمة في أقواله وأفعاله.
ولا أحد يعلم كيف يشعر الله بالرحمة، فإن الخلق، يشعرون بالرحمة في قلوبهم، وأما الله تعالى فلا يدرى كيف يشعر بالرحمة.
ومع أن الله تعالى رحمان رحيم، إلّا أن رحمته لا ينالها إلّا من يستحقها، لأنه سبحانه هو من يتحكم في انفعالاته النفسية ولا تتحكم به، وذلك لكمال قدرته سبحانه وتعالى.
والله أعلم وأحكم.
 

صفة الصمد لله تعالى

قال الله تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾ [الإخلاص]

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال: الصمد الذي ليس بأجوف.

رواه الطبري.

وعن الشعبي قال: الصمد الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب.

رواه الطبري.

وعن عكرمة بن عبدالله، قال: الصمد الذي لم يخرج منه شيء، ولم يلد ولم يولد.

رواه الطبري.

ومثله عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: الصمد الذي يصمد إليه الأمر فلا يقضى دونه، وهو من الرجال الذي ليس فوقه أحد.

رواه الأزهري في تهذيب اللغة.

وقال أحمد بن فارس، في كتاب معجم مقاييس اللغة: الصاد والميم والدال أَصلان: أحدهما القَصْد، والآخَر الصَّلابة في الشَّيء.فالأوَّل: الصَّمْد: القصد. يقال صَمَدْتُه صَمْداً. وفلان مُصَمَّدٌ، إِذا كان سيِّداً يُقصَدُ إليه في الأمور.

فالصمد لها معنيان: الأول: هو الذي لا جوف له، الذي لا يطعم ولا يشرب ولا يتنفس الهواء. والثاني: هو الذي تصمد له الخلائق، أي: تقصده لقضاء حوائجها.


صفة الثقل لله تعالى

عن عبد الله بن خليفة، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة، فقال  فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: "إن عرشه فوق سبع سماوات، وإن له لأطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله".
رواه ابن أبي عاصم في السنة له، ورواه عبدالله بن أحمد في السنة له.
وهو حديث صحيح.
وعن الشعبي قال: "إن الله تعالى قد ملأ العرش حتى إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد".
رواه أبو الشيخ في العظمة، موقوفاً بسند صحيح.
ومرّ معنا حديث أبي موسى في أطيط الكرسي من ثقل قدمي الرب تعالى.
كما مرّ معنا حديث أن الله يضع قدمه في النار حتى ينزوي بعضها إلى بعض، من ثقل قدم الربّ تعالى، حتى تقول قط قط، أي كفى كفى.
كل هذه الأدلة تثبت أن لله تعالى ثقلاً.
وقد لا يجعل له ثقلاً، لأنه سبحانه على كل شيء قدير.
والله أعلم وأحكم.

صفة الجسم بين النفي والإثبات

يجب أن نعلم أن ما لا يمكن إثباته من الصفات الواردة في الكتاب والسنة إلّا بإثبات لازمه، فيجب إثبات لازمه، وإلا فأنت في الحقيقة لم تثبت الصفة.
مثال صفة العلو، لا بد من أن تثبت الحدّ لله تعالى، وتثبت الجهة والحيّز له، وإلا فأنت في الحقيقة، لم تثبت صفة العلو.
وكذلك صفة الاستواء على العرش، إذا لم تثبته بلوازمه، من التمكن والاستقرار والمماساة، فأنت في الحقيقة لم تثبت الاستواء على العرش.
وهكذا في جميع الصفات.
ونأتي هنا إلى صفة الجسم، هل يلزم من إثبات الحدّ لله تعالى وإثبات صفة الصورة والوجه والعينان واليدان والقدمان والكلام بصوت والحركة، أن نثبت لله جسماً؟ وهل هذه الصفات لا تكون إلّا في جسم؟!
والجواب: لا يلزم من إثبات الحدّ لله تعالى وإثبات صفة الصورة والوجه والعينان واليدان والقدمان والكلام بصوت، أن نثبت لله جسماً.
والدليل على ذلك، أن الأرواح لها صور، ولصورها وجوه وعينان ويدان وقدمان وتتكلم بصوت، ومع ذلك هي ليست أجسام بل أرواح، والجسم هو مطيّة الروح.
وقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم أرواح الأنبياء وهي في صورهم التي كانت عليها أجسادهم، وتكلّم معهم، وهذا دليل كافٍ على أنه لا يلزم من وجود الصفات وجود الجسم.
وبما أن الجسم لم ينصّ الله على نفيه، فكيف ننفيه والله لم ينفه؟! 
إذاً القول الفصل في هذه المسألة، أنه يتوقف في هذه الصفة، فلا تثبت ولا تنفى، لأنه لا إثبات ولا نفي إلّا بدليل شرعي، بآية من كتاب الله تعالى أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
والله أعلم وأحكم.

ما ورد في أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى بأمره

عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال "إنّ الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل اللّيل قبل عمل النّهار. وعمل النّهار قبل عمل اللّيل. حجابه النّور (وفي رواية النّار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

رواه مسلم وابن ماجه.

وعن أنس بن مالك قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل "فاستأذن على الله في داره فيؤذن لي عليه" .. الحديث.

رواه البخاري.

والدار، هو ما أحاط بالشيء وأحدق به، سمّي بذلك لأنه يدور عليه، وهو يشتمل على معان عديدة، والمراد به هنا ما دار حول المنزل.

فأثبت في الحديث أن لله تبارك وتعالى دارا تليق بجلاله وعظمته، وأن من أراد الدخول إليه في داره، وجب عليه أن يستأذن حتى يأذن الله له، والدار مثل الحجب، مما أذن الله له من مخلوقاته أن تحده وتحجبه.

وقد زعم البعض أن كلمة "الدار" شاذة، لم ترد إلا في رواية واحدة، وباقي الروايات لم يرد فيها ذكر الدار، يريد بذلك إنكار وجود الدار.

والجواب على ذلك أن كلمة "الدار" وإن لم ترد سوى في رواية واحدة، إلا أن جميع الروايات تتفق على هذا المعنى وتصححه وتؤكده، فقد ورد في جميع الروايات باتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فاستأن على ربي" هذا ما قاله رسول الله نصا في جميع الروايات التي رويت عنه، فما الذي يحول بينه وبين الله، حتى أنه لا يستطيع الوصول إليه إلا بعد أن يستأذن له عليه، إذا هناك حائل بينه وبينه ربه، وهي الدار.

فكل هذه المعطيات، تدل على صحّة لفظة "الدار" وإن لم يصرّح بها إلا في رواية واحدة، ولهذا أوردها أمير المؤمنين في الحديث البخاري واحتج بها.

فهذه أحاديث عظيمة جليلة، تدل على أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى، ويحجبها عن خلقه، بأمره سبحانه، كما تتضمّن إثبات أن لذات الله تعالى حدّاً وغايةً.

والله أعلم وأحكم.


إثبات الحدّ لذات الله تعالى

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور - وفي رواية: النار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

وهو حديث صحيح، رواه مسلم وابن ماجه.

فهذا حديث صريح في أن لذات الله تعالى حداً، وأن بينه وبين خلقه حجاب من نور أو نار، والحُجُب لا تكون إلّا لمن كان لذاته حد تنتهي إليه.

وروى أحمد والترمذي وغيرهما عن وكيع بن حدس عن أبي رزين العقيلي أنه قال: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "في عماء ما فوقه هواء، وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء". اهـ

والعماء، هو السحاب الأبيض.

والهواء، هو الفراغ، أي: العدم المحض، الذي لا شيئة فيه. 

وقد تطلق العرب على الرياح، اسم الهواء، لتشابهِهَا مع العدم، في بعض خصائصه.

فدل هذا الحديث على أن لله تعالى فوق وتحت.

أي: حد لذاته من فوق، وحد لذاته من تحت.

وهو سبحانه من يُقدِّر فوقه من تحته.

ووكيع بن حدس له روايات أخرى مستقيمة، ولذلك حسن أئمة السنة أحاديثه، وحكموا بصدقه.

والحديث يقبل ويكون حجة، إذا لم يكن له معارض من كتاب الله تعالى أو الأحاديث الأصح منه سندا، وليس لهذا الحديث معارض من الوحيين، وهذا مذهب أئمة السنة والحديث والأثر.

وروى مسلم في صحيحه.

وعن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟".

فأشار هذا الحديث إلى أن لله تبارك وتعالى حداً من يمين، وحداً من شمال.

ثم هو بعدُ أعلم بحده، وأعلم بأبعاد هذه الذات.

وقال الإمام مالك بن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء".

أخرجه أبو داوود في مسائله بسند صحيح.

وهذا الأثر الجليل، من رواية عبدالله بن نافع الصائغ، قال عبدالله بن عدي في الكامل: "حدثنا ابن أبي عصمة، حدثنا أبو طالب أحمد بن حميد، سألت أحمد بن حنبل، عن عبد الله بن نافع المديني الصائغ، قال: لم يكن صاحب حديث، كان ضيّقاً فيه، وكان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك".

وقوله: "كان ضيّقاً فيه" أي: أنه لم يكن محدثا، وإنما كان عالما برأي الإمام مالك.

قال أبو داود في سوءالاته للإمام أحمد: سمعت أحمد قال: "عبد الله بن نافع الصائغ، لم يكن يحسن الحديث، كان صاحب رأى مالك".

أي: أنه خبير برأي مالك، فكل ما ينقله عن مالك صحيح عن مالك.

فيتبين مما سبق، أن جميع روايات الصائغ عن الإمام مالك صحيحة.

وقيل للإمام عبدالله بن المبارك، وكان من كبار أئمة السنة، وكان يلقب أمير المؤمنين في الحديث، لسعة حفظه وعلمه: كيف نعرف الله عز وجل؟ قال: على العرش بحد.

وقيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.

رواه الخلال في السنة، وحرب الكرماني، في مسائله.

وروى الخلال في السنة بعد ذكر كلام ابن المبارك: فقال أحمد هكذا على العرش استوى بحد. فقلنا له: ما معنى قول ابن المبارك بحد؟ قال: لا أعرفه، ولكن لهذا شواهد من القرآن في خمسة مواضع ﴿إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ﴾ ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ﴾ ﴿تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیۡهِ﴾ وهو على العرش وعلمه مع كل مكان.

وقال الاصطخري: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه:

"ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل على العرش وله حد والله أعلم بحده ويتحرك ويتكلم وينظر ويضحك ويفرح" اهـ

رواه ابن أبي يعلى في كتاب: طبقات الحنابلة، بسند لا بأس به.

وسئل الإمام إسحاق بن راهوية: ما تقول في قوله تعالى: ﴿مَا یَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ﴾ .. الآية؟ فقال: حيث ما كنت هو أقرب إليك من حبل الوريد وهو بائن عن خلقه. فقال السائل: على العرش بحد؟ قال: نعم بحد.

رواه حرب في مسائله.

شبهة والرد عليها:

روى حنبل وإسحاق بن راهوية، عن الإمام أحمد بن حنبل، أنه قال: "نحن نؤمن بأن الله تعالى على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد" اهـ

كما روي عن بعض أئمة السنة إنكارهم للحد.

والجواب: أثبتنا سابقا إثبات الإمام أحمد للحد وأنه من لوازم إثبات علوه سبحانه مما يدل على أن مرادهم العلو الذاتي وإثبات الإمام أحمد الحد لله عز وجل ليس له معنى إلا أن الإمام يثبت الحد لله عز وجل فكان إثباته للحد هنا هو القول المحكم أما قوله بأن الله ليس له حد فهو يتصرف على معنيين: الأول: إنكار الحد مطلقا والثاني: إنكار أن يكون أحد من خلق الله قادر على أن يدرك هذا الحد ويستوعبه. فأصبح إنكاره للحد هنا هو القول المتشابه فإذا رددنا قوله المتشابه إلى قوله المحكم عرفنا أن مراد الإمام بإنكاره للحد في هذه الرواية إنما مراده منها: إنكار أن يكون أحد من خلق الله قادر على أن يدرك هذا الحد ويستوعبه؛ لأن إثباته الحد لله عز وجل لا يمكن أن نقول بان له معنا أخر غير ظاهره.

وأما كلام أئمة السنة، فإنه يفسر بعضه بعضا، فمرادهم جميعا، أن الله بائن من خلقه بحد يدركه هو من نفسه سبحانه، ولكن خلقه يعجزون عن إدراك حده.

وقد تبيّن من خلال الأدلة الدالة على علوّ الله تعالى على سماواته، وجلوسه على عرشه، واحتجابه بالنار والدار، أن لذات الله تعالى حدّاً وغاية، حدّاً يدركه هو من نفسه، ولا يستطيع أحد من خلقه أن يدركه، وأنه لا يعلم أبعاد هذه الذات إلا الله سبحانه وتعالى.

وبما أن لذات الله تعالى حدّاً، فهذا يعني، أن لذاته حجماً، ولكمال قدرته سبحانه، يتحكم في حجمه، فلو شاء زاد في حجمه حتى لا يكون شيء أكبر منه، وإن شاء أدنى من حجمه إلى ما شاء، لا حدّ لحجمه عندما يزيد فيه، ولا حدّ لحجمه عندما يدني منه، ولكنه قضى ألا يكون شيء أكبر منه، فهو الكبير، وهو الأكبر.

والله أعلم وأحكم.

القول في الفعل ما هو؟!

اعلم أن الفعل أصالة ليس بشيء، حتى يقال بأنه مخلوق أو غير مخلوق، فليس الفعل شيء قائم بذاته، يشار إليه بالبنان، ويقال هذا فعل. إنما الفعل وصفٌ لما تقوم به الجوارح من أعمال، وما ينتج عن عملها من أثر ملموس.

وأما قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات] فيدلّ على معناه، ما سبقه من آيات، فقال تعالى: ﴿قَاَلَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات] فالضمير في قوله: ﴿وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ عائد على ما ينحتون، فالمراد به هو الأصنام التي ينحتونها من الطين والجص والخشب، فليس المراد به أن الفعل ذاته مخلوق، لما قدمّت بأن الفعل أصالة ليس بشيء، ولا وجود له، حتى يقال بأنه مخلوق أو غير مخلوق.

فجوارح الله تعالى ليست مخلوقة، ولكن ما ينتج عنها من أثر ملموس فهو مخلوق، وجوارح المخلوقات مخلوقة، وما ينتج عنها من أثر ملموس فهو مخلوق أيضاً.

والله أعلم وأحكم.

 


هل توصف يدي الله وقدميه بأنها جوارح؟

جَرَح في لغة العرب تعني: فعل. والجُرْح هو أثر الفعل.

فكل شيء يصدر منه فعل فهو جارح.

وكل صفة يصدر منها فعل فهي: جارحة.

فإذا تقرر هذا المعنى، فنقول: أليس الله تعالى يسبط بيديه ويقبض، ويطوي السماوات بيمينه، ويقبض على الأرض بشماله، وأنه يضع قدميه في النار، ويضغط بها عليها حتى ينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط. أي: كفى كفى.

إذا كل صفة لله تعالى يصدر منها فعل له، فهي جارحة.

وقد اعترض هذا القول بعض من لا عقل له، واحتج بإنكار الدارمي والطبري والفراء، بأن توصف يدي الله وقدميه بأنها جوارح، والدارمي والطبري والفراء إنما أتيوا من ظنهم أن لفظ الجارحة لا يطلق إلّا على أعضاء الإنسان، وهذا باطل، فإن معنى الجارحة أعم من ذلك، فالعرب تطلق على كل ما يصدر منه فعل جارح وجارحة.

والله أعلم وأحكم.

صفة الحركة لله تعالى

والحركة صفة فعلية لله تعالى.
قال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَقُضِیَ ٱلْأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ﴾ [البقرة]
قوله ﴿یَأْتِیَهُمُ ٱللَّهُ فِی ظُلَل مِّنَ ٱلْغَمَامِ﴾ أي يوم القيامة، عندما ينزل الله تعالى إلى الأرض لفصل القضاء، ينزل في ظلل من الغمام.
وقال تعالى: ﴿هَلْ یَنظُرُونَ إِلَّاۤ أَن تَأْتِیَهُمُ ٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ أَوْ یَأْتِیَ بَعْضُ ءَایَـٰتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام]
قوله ﴿أَوْ یَأْتِیَ رَبُّكَ﴾ في هذا دليل على أن إتيان الله تعالى يوم القيامة، غير إتيان الملائكة، وغير إتيان آياته، وهذا يدل على أن إتيان الله يوم القيامة ليس إتيان أمره أو قدرته وحسب، لأن إتيان أمره وقدرته يوم القيامة، إنما يكون بإتيان ملائكته وآياته، فتبين بذلك، أن إتيان الله هنا إتيان بذاته سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: ﴿وَجَاۤءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّا صَفّا﴾ [الفجر]
وهذا يوم القيامة، حيث يأتي الله يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، تحف به ملائكته المسبحة بقدسه، وملائكة السماوات صفوف بعضها خلف بعض، محيطة بأهل الأرض.
وفي بعض روايات حديث الشفاعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرج إلى السماء ليشفع للناس عند ربهم ليريحهم من هول الموقف، ويأتي لفصل القضاء بينهم، فيقول الله تعالى "حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص"، قال: أبو هريرة يا رسول الله، ما الفحص؟ قال: "قدّام العرش، فأخر ساجداً، فلا أزال ساجداً حتى يبعث الله إليّ ملكاً، فيأخذ بعضدي، فيرفعني، ثم يقول الله لي: محمّد، وهو أعلم، فأقول: نعم، فيقول: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، شفّعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول: قد شفّعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم".
رواه الطبري.
وفيه قال: النبي صلى الله عليه وسلم "فأنصرف حتى أقف مع النّاس، فبينا نحن وقوف، سمعنا حسّا من السّماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السّماء الدّنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض، بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت، ثمّ ينزل أهل السّماء الثّانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجنّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم أفيكم ربّنا؟ قالوا: لا وهو آت. ثمّ نزل أهل السّموات على قدر ذلك من الضّعف حتى نزل الجبّار في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم".
رواه الطبري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول من يدعوني، فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟" اهـ
رواه البخاري.
وفي هذا الحديث، دليل على أن الله تعالى ينزل بذاته المقدّسة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل.
فهذا كله فيه دليل قاطع على أن الله تعالى يتحرك، وينتقل من مكان إلى مكان، فيجيء ويأتي وينزل ويصعد.
وهنا مسألة هل الله يتحرك بذاته كلها أو بعضها؟
والجواب: الله أعلم، ولكن الذي يظهر لي من خلال الآيات والروايات، أن حركة الله جزئية، بحيث هو في مكانه، وجزء منه في مكان أخر، فهو دائم لا يزول، ولا يغيب عن عباده، أين كانوا، وهذا جليّ من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿قَاَلَ لَاۤ أُحِبُّ ٱلْـَٔافِلِینَ﴾ [الأنعام] قال قتادة: عَلِم أن ربّه دائمٌ لا يزول. اهـ 
رواه الطبري.
والله أعلم وأحكم.

صفة القدمين لله تعالى

والقدمان صفتان ذاتيتان لله تعالى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه في خبر تحاجّ الجنّة والنّار، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأما النار فلا تمتلئ، فيضع قدمه عليها، فتقول قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض".

رواه البخاري ومسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول قط قط وعزتك، ويزوى بعضها إلى بعض".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله "قط قط" أي كفى كفى.

وقوله "ويزوى" أي ينزوي بعضها إلى بعض، كأنما تجتمع على قدم الله تعالى من ثقل قدمه سبحانه، وامتلاء النار بها.

وعن أبي موسى الأشعري، قال: "الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل".

أخرجه الطبري في تفسيره بسند صحيح، موقوفاً.

وعن عبدالله بن عباس، قال: "الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره".

رواه محمد بن خزيمة في كتاب التوحيد، بسند صحيح، موقوفاً.

فدلّت هذه الأحاديث، على أن لله تبارك وتعالى قدمين، وبما أنهما قدمان، فهما يمين وشمال، كما أن يديه يمين وشمال، وشمال قدمه كيمينها في كمالها وجلالها وجمالها وعظمتها.

والله أعلم وأحكم.


صفة الحقو لله تعالى

 وصفة الحقو صفة ذاتية لله تعالى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك". 

قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِن تَوَلَّیْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِی ٱلْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤا أَرْحَامَكُمْ أُولَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰۤ أَبْصَـٰرَهُمْ﴾ [محمد]. 

رواه البخاري.

وفي رواية: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَیْتُمْ﴾

رواه البخاري ومسلم.

والحَقو، هو الخَصْر، وهو محلّ شدّ الإزار، ثم توسّع العرب حتى أطلقوا على الإزار حقواً.

وهذا الحديث، فيه دلالة صريحة بأن الله تعالى جعل لذاته حقواً، ولولا ذاك، لما تعلّقت الرَحِم بحقوه.

مع العِلم، أن قوله: "قامت الرحِم فأخذت بحقو الرحمن" قد يراد به التأكيد على عِظَم شأن حقِّ الرَحِم، لأن الرحم، إنما هي القرابة، التي تكون بين شخص وأخر، فهي ليست جسما محسوسا، ولكن إذا قلنا بأن الله تعالى خلقها في جسم، كما سوف يخلق الحسنات والسيئات، فإن الله تعالى بينه وبين خلقه حجاب من نار، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجابه النور – وفي رواية: من نار - لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". وهذا يعني أنه لو كان الله تعالى خلق الرحم جسماً، لما تمكنت من الوصول إليه وهو خلف الحجاب، إلّا أن نقول بأن الله تعالى أذن لها في الوصول إليه، دون أن يحرقها نوره تعالى. 

والله أعلم وأحكم.