استوى في لغة العرب ليس لها سوى معناً واحد لا ثالث له، وهو اعتدل. فاستوى واعتدل معنيان مترادفان.
قال الله تعالى: ﴿حَتَّىٰۤ إِذَا سَاوَىٰ بَیْنَ ٱلصَّدَفَیْنِ﴾ [الكهف] أي جعل ما بينهما معتدلاً، بعد أن غطّاه بالحديد.
وقال تعالى: ﴿قُلْ یَـٰۤأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَة سَوَاۤءِ بَیْنَنَا وَبَیْنَكُمْ﴾ [آل عمران] أَي عَدْلٍ.
لكن مدلول هذه الكلمة يتغير بتغير العوامل الداخلة عليها.
فإذا أضيفت إلى حرف "على" كان معناها الاعتدال في العلو والارتفاع.
وإذا أضيف هذا العلو إلى شيء، كان معناه الاعتدال في العلو والارتفاع على ذلك الشيء، وهذا لا يكون إلا بالاستقرار على الشيء الذي تمّ الاستواء عليه.
وقد يلزم من هذا الاعتدال الجلوس والقعود.
كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ [الأعراف]
وقوله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُۥا۟ عَلَىٰ ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف]
وقول عبدالله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً.
رواه النسائي.
وقد أورد النسائي هذا الحديث، للاحتجاج به على أن معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ أي جلس وقعد.
وقد لا يلزم منه الجلوس والقعود.
كقوله تعالى: ﴿وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِیِّ﴾ [هود]
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا ٱسْتَوَیْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ﴾ [المؤمنون]
وقوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّة فَٱسْتَوَىٰ﴾ [النجم]
أي اعتدل في علوه وارتفاع بالأفق الأعلى، قبل أن يدنو من النبي ويتدلى إليه، والمراد به هنا جبريل عليه السلام.
فالآيتين الأوليين تثبت الاعتدال في العلو والارتفاع والصعود والاستقرار، لأنه مضاف إلى شيء استوى عليه، وأما في الآية الثالثة، فلم يضف إلى شيء يستوي عليه، فكان معناه، الاعتدال في العلو والارتفاع، من غير استقرار.
وأما إذا أضيفت كلمة "استوى" إلى حرف "إلى" كان معناه الاعتدال في التوجه والقصد.
كقوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ثُمَّ ٱسْتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ﴾ [البقرة]
وإذا أضيفت إلى حرف "في" كان معناه الاعتدال في التوسط على الشيء. كما ورد في الحديث "كان في عماء".
رواه الترمذي.
فإذا جردت من هذه الإضافات، رجعت إلى معناها الخالص وهو الاعتدال.
كقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسْتَوَىٰۤ﴾ [القصص] أي اعتدل في سنّه.
وقوله تعالى: ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ﴾ [الفتح] أي اعتدل على سوقه.
وقال عبدالله بن عمر "أن النبي كانت إذا استوت به راحلته قائمة" .. الحديث.
رواه البخاري.
أي اعتدلت في وقوفها.
واستوى الطعام، أي اعتدل في نضجه، فليس نيئاً ولا محترقاً.
واستوى الوجه، أي اعتدل الطريق إلى الوجهة.
واستوى القمر، أي اعتدل في اكتماله.
واستوى زيد وعمر، أي تعادلا.
كل هذا معناه يرجع إلى الاعتدال.
فبعض الصحابة أو التابعين أو غيرهم من أئمة السنة وأهل اللغة، قد يختصرون المعنى.
فيسألهم السائل عن معنى قوله تعالى: ﴿ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ فيقولون علا. أو يقولون ارتفع. أو يقولون صعد. أو يقولون استقر. أو يقولون جلس. أو يقولون قعد.
وإنما هذا اختصار لمعنى الآية وليس مرادهم أن هذا معنى كلمة "استوى".
وهكذا في باقي معاني استوى، إنما هو اختصار منهم للمعنى.
فكما قلنا استوى معناها "اعتدل".
وأما تأويل استوى باستولى أو بغلب وقهر، فهذا من وضع الوضّاعين، ولا تعرفه العرب في معنى كلمة استوى، لا عند العرب الفصحاء القدماء، ولا عند العرب المتأخرين.
فتبين لنا أن معنى قوله تعالى: ﴿ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ﴾ أي اعتدل في علوه وارتفاعه وصعوده واستقراره جالساً وقاعداً على العرش.