صفة العلو لله تعالى

والعلوّ صفة فعلية لله تعالى. 

قال تعالى: ﴿ذَ لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا یَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِیُّ ٱلْكَبِیرُ﴾ [لقمان]

والعلوّ، قد يراد به علو الذات، وقد يراد به علو السلطان والغلبة والقهر، وهي في هذه الآية، تشمل جميع تلك المعاني.

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلْحَكِیمُ ٱلْخَبِیرُ﴾ [الأنعام]

وقال تعالى: ﴿یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ﴾ [النحل]

والفوقيّة، قد يراد بها فوقيّة الذات، وقد يراد بها فوقية السلطان والغلبة والقهر، وهي في هذه الآيات تشمل جميع تلك المعاني.

وقال تعالى: ﴿مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِیعًاۚ إِلَیْهِ یَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرْفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِینَ یَمْكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيْدٌ وَمَكْرُ أُولَـٰۤىِٕكَ هُوَ یَبُورُ﴾ [فاطر]

وقال تعالى: ﴿یُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ إِلَیْهِ فِی یَوْم كَانَ مِقْدَارُهُۥ أَلْفَ سَنَة مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة]

وقال تعالى: ﴿تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْم كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَة﴾ [المعارج]

والصعود والمعراج، لا يكون إلّا لمن كان عالياً بذاته.

وقال تعالى: ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِیَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ أَن یُرْسِلَ عَلَیْكُمْ حَاصِبا فَسَتَعْلَمُونَ كَیْفَ نَذِیرِ﴾ [الملك]

والضمير في قوله ﴿ءَأَمِنتُم مَّن فِی ٱلسَّمَاۤءِ﴾ راجع إلى الله تعالى، فهو سبحانه الآمر الناهي.

قال تعالى: ﴿أَفَأَمِنَ ٱلَّذِینَ مَكَرُوا ٱلسَّیِّـَٔاتِ أَن یَخْسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلْأَرْضَ أَوْ یَأْتِیَهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَیْثُ لَا یَشْعُرُونَ﴾ [النحل]

فبيّن سبحانه وتعالى، أنه هو من يخسف بعباده إذا شاء.

وقال تعالى: ﴿إِذْ قال: ٱللَّهُ یَـٰعِیسَىٰۤ إِنِّی مُتَوَفِّیكَ وَرَافِعُكَ إِلَیَّ﴾ [آل عمران]

وقوله ﴿وَرَافِعُكَ إِلَیَّ﴾ أي مدنيك منّي ومقربك إلي، فرفعه الله تعالى إلى السماء الثانية، كما ورد في حديث المعراج.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ عِندَ رَبِّكَ لَا یَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَیُسَبِّحُونَهُۥ وَلَهُۥ یَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف]

وفي هذه الآية، تصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض.

ويصدّق ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لمّا خلق الله الخلق، كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي".

رواه البخاري ومسلم.

فقوله "فهو عنده فوق العرش" أي عند الله تعالى فوق عرشه.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، في حديث مناسك الحج، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات".

رواه مسلم.

وفي هذا الحديث، دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إلى الله تعالى إشارة حسيّة، أي أن الله تعالى في جهة العلو بذاته.

وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه، قال: "وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَظَّم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها" فأتيته بها، فقال لها "أين الله؟" قالت: في السماء، قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة".

وهذا حديث صحيح، رواه الأئمة الفحول، مالك في الموطأ، والشافعي في الرسالة، وأحمد في المسند، ومسلم في صحيحه.

إلّا أن مالكاً أخطأ في اسم معاوية، فأسماه عمر، وبيّن الأئمة خطأ الإمام مالك في ذلك.

وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلّم للجارية لمّا أقرّت بأن ربّها في السماء، أي: في جهة العلو، بالإيمان.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تأمنوني وأنا أمين مَنْ في السماء؟ يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء".

رواه البخاري ومسلم.

وقوله "وأنا أمين من في السماء" أي أمين الله تعالى، الذي أأتمنه على أداء ما بعثه به من الحق.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قال: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال من هذا؟ فيقول فلان، فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تبارك وتعالى" .. الحديث.

رواه ابن ماجه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه، فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها".

رواه مسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنها قال في خبر زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين زينب بنت جحش: "فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات".

رواه البخاري.

وعن حسان بن ثابت رضي الله عنه، أنه أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً:

شـــهـــدت  بإذن  الله  أن  مـــحــــمــــداً    رسول الذي فوق السماوات من علِ

رواه ابن أبي شيبة في مصنفة، وهو موجود في ديوانه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لسعد بن معاذ رضي الله عنه، عندما حكم في اليهود: "حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات".

رواه النسائي في الكبرى.

وفي حديث المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم و ليلة; فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا" .. الحديث.

رواه البخاري ومسلم.

وفي حديث الملائكة السياحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا تفرقوا عرجوا أو صعدوا إلى السماء فيسألهم الله تعالى وهو أعلم من أين جئتم؟" .. الحديث.

رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا طيب، فإنها يتقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل".

رواه البخاري.

كل هذا الأحاديث، فيها التصريح، بأن الله تعالى عالٍ بذاته، فوق سماواته، وأنه يُنْزل من عنده، ويُصْعد إليه.

ولكمال قدرته سبحانه وتعالى، فهو قادر على أن يحلّ ويتحد في مخلوقاته، ولكنه تنزّه عن ذلك، لأن ذلك لا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، لذلك بان من خلقه، وانفصل عنهم، إلى أشرف الجهات، وهي جهة العلو.

والله أعلم وأحكم.