وقوع الشبه بين صفات الله تعالى وصفات خلقه

الشبه واقع بين صفات الله تعالى وصفات خلقه، لأن الله تعالى لما خلقنا، منحنا شيئاً من صفاته، ولكنه حرمنا الكمال فيها، لأنه قضى سبحانه ألّا يكون له مثيل، وألّا يكون أحدٌ من خلقه كفواً له.
قال تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءࣱ﴾ [الشورى]
وقال تعالى: ﴿وَلَمْ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ﴾ [الإخلاص]
والآيات القرآنيه، والأحاديث النبويّة، مليئة بإثبات الشبه بين صفات الله تعالى، وصفات خلقه.
ولعل من أوضح مثال على هذا التشبيه ما ورد في كتاب الله العزيز في قوله تعالى في سورة المؤمنين: ﴿مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدࣲ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنْ إِلَـٰهٍۚ إِذࣰا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهِۭ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضࣲۚ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ﴾.
فبيّن الله تعالى لنا، أنه لو كان هناك إلهً غيره، لدفعه حبّ التفرّد بالملك والسلطان، إلى الانعزال بخلقه، ولسعى إلى مغالبة الإله الأخر، ليخضعه لملكه وسلطانه، وهذا فيه شبه كبير بصفات ملوك الأرض، في حبهم للتفرد بالملك والسلطان، وسعيهم الحثيث لمغالبة بعضهم بعضا ليخضع بعضهم لسلطان البعض الأخر.
وقال تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُۥۤ ءَالِهَةࣱ كَمَا یَقُولُونَ إِذࣰا لَّٱبْتَغَوْا۟ إِلَىٰ ذِی ٱلْعَرْشِ سَبِیلࣰا﴾ [الإسراء]
أي لو كان هناك آلهةٌ حقّاً غير الله تعالى، لأخضعهم الله لسلطانه، ولجاءوه راهبين وراغبين، يبتغون القربى عنده، وهذا اعتداد من الله تعالى بكمال قوته وقدرته، وهو أهلٌ لذلك سبحانه وتعالى.
فأي تشبيه أوضح وأبين من هذا؟
لا ينازع بعد هذا في وجود الشبه بين صفات الله تعالى وصفات خلقه، إلّا أنوك جاهل، أو زنديق ملحد مماحل.
ثم القرآن العظيم والسنة النبويّة المطهرة، نزلت بلغة العرب، وما يعرفونه من معاني كلامهم، وكل آيات الصفات يدلّ ظاهرها الذي تعرفه العرب من كلامها، على إثبات التشابه بين صفات الله وصفات خلقه.
وأما قوله تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِۦ شَیْء﴾.
فهذه الآية لا تدل على حرمة التشبيه، بل تدل على حرمة التمثيل، وبين التشبيه والتمثيل فرق لا يدركه مستعجمة العرب ولا مستعربة العجم!
فإن الشبه في الصفات، يراد به إثبات وجود مواضع توافق ومواضع اختلاف في الصفة، وأما المثل، فيراد به إثبات التوافق بين الصفات من جميع الوجوه.
والتمثيل بين صفات الله وصفات خلقه محرّم بنصّ الكتاب العزيز، لأن ذلك من اتخاذ الأنداد لله تعالى، فإنك إذا مثلت صفات الله تعالى بصفات خلقه، كنت قد جعلت لله نداً، وهذا هو الشرك الأكبر والعياذ بالله.
ولا يوجد دليل شرعيٌّ صحيح واحد على تحريم التشبيه.
وأما ما أُثِر عن أئمة السنة المتقدمين، من تحريم التشبيه، فالمراد به التمثيل، لأن الشبه أعم من المثل، والمثل أخصّ، فكل مثيل شبيه، وليس كل شبيه مثيل، وعلى هذا، فإنكارهم التشبيه، إنما يراد به إنكار التمثيل، والدليل على ذلك، أن أئمة السنة المتقدمين أنفسهم، أثبتوا وجود الشبه بين صفات الله وصفات خلقه ولم ينكروها.
والله أعلم وأحكم.

تأويل قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَيءٌ﴾ [الشورى] وقوله تعالى: ﴿وَلَم یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ﴾ [الإخلاص]

معنى قوله تعالى: ﴿لَیْسَ كَمِثْلِهِۦ شَیْءࣱ﴾ [الشورى] إذا عرضته على لغة العرب، وجدت معناه نفي التماثل في كمال الصفة بين صفات الله وصفات خلقه، والكاف للتوكيد.
كما تقول العرب ليس كمثل فلان أحدٌ، في شجاعته، أو شهامته، أو نخوته، أو كرمه، أو غير ذلك من الصفات.
ولا يزال العرب في جزيرة العرب، وهم العرب الأقحاح، الذين ورثوا لغتهم عن أسلافهم كابراً عن كابر يقولون: فلان ما مثله أحد. و "ما" هنا بمعنى: ليس.
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَلَمْ یَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُ﴾ [الإخلاص] أي: ليس هنا من يساويه في كمال صفاته، فمعنى الكفوء، هو المساوي.
كما تقول العرب: فلان ليس كفئا لفلان. 
فالعرب لا يعنون بقولهم: ليس كمثل فلان أحد، أن فلاناً هذا لا يشبه غيره في تلك الصفات من كل وجه، وأنه يختلف في هذه الصفات عن غيره، وأنه يجب أن يسلب هذه الصفات جميعها، فلا يمنح تلك الصفات ولا ضدها، وأنه يجب أن نعتقد، أن كل ما خطر ببالنا من صفات فلان هذا فهو بخلاف ما خطر ببالنا، أو نثبت لفلان هذا صفات ولكن بلا تشبيه ولا تأويل ولا تكييف. 
وإنما مرادهم، التنبيه على التباين، بين كمال وجود هذه الصفة من الشجاعة والشهامة والنخوة والكرم في هذا الشخص، وبين وجودها في غيره من الأشخاص.
وكذلك قولهم: فلان لا يكافئ فلان.
ففلان هذا، وإن كان يشبههم في هذه الصفات ويشبهونه، إلّا أنهم لا يماثلونه في تلك الصفات، وليسوا له بأكفاء.